الطريق
السبت 3 مايو 2025 11:26 صـ 6 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب

«رفضوا إعطاء العذراء خبزا».. قصة الحارة الملعونة بالمطرية

الحارة
الحارة

نكشف سر لعنة حارة عيد وحكايتها مع العذراء والسيد المسيح

أستاذ علم نفس: «تكرار القصة يؤدى لتصديقها.. وإحنا شعب متدين بطبعه»

مدير عام محكى مريم: «هنا غسلت ثياب المسيح»

فى حى المطرية، التابع لمحافظة القاهرة الكثير من الأماكن التى يمكن التفريق بينها على نحو غريب، فالسكان يعرفون المناطق بالمبارك والملعون، فمثلا شجرة مريم تعرف بقدسيتها، وحارة عيد الملعونة المشهورة بحارة الخمير، أو «الحارة التى لا يخمر لهم عجين»، وذلك بسبب دعاء السيدة مريم عليهم، لأنها بعدما هربت من بطش الملك الرومانى هيردوس، وعندما مرت السيدة العذراء بسكان هذه الحارة، وطلبت منهم بعض الخبز رفضوا، فدعت ألا يختمر لهم عجين، ومن وقتها لم يخمر لهم عجين.

سكان الحارة

قالت الحاجة انشراح، صاحبة الـ75 عاما، وإحدى سكان حارة عيد منذ ما يقارب الخمسين عاما، حيث تزوجت وانتقلت إليها مع زوجها، إن كل ما يدور حول الحارة حقيقى، لكن ما يحدث هو أنه لا يختمر العجين الخاص بهم إلا فى يوم واحد طوال العام، ولكنهم لا يعرفونه، لأن لا أحد يحسب له، لكن مهما حاولوا تعديل الوصفات للمخبوزات المختلفة لا تختمر أبدا، وعليهم الانتظار لليوم التالى.

وأكدت نادية أحمد، إحدى سكان الحارة، تعيش فى البيت رقم 12، بنهاية الحارة، على كلام انشراح، وأضافت أنه بعدما تم تداول الثلاجات وأصبح يقتنيها الجميع، عندما تحدث ظاهرة ألا يختمر العجين، يتركونه بالثلاجة حتى اليوم التالى، وبعدها يختمر بشكل طبيعى، لكن يحدث ذلك فى يوم واحد طوال العام، ليس كل أيام السنة كما يشاع، كما أنه كان يوجد مخبز فى أول حارتهم، لكنه أغلق أبوابه بعدما فسد عجين يوما بأكمله بداخله، لأنه لم يختمر.

وأشارت نادية إلى أنهم لا يعرفون ذلك اليوم، لكنهم يضعون أيديهم على قلوبهم بمجرد الاستعداد لعمل مخبوزات، ويتمنون أن يمر اليوم بسلام، وعندما لا يختمر العجين، يضطرون لأن يخبزوه كما هو.

حارة شق الثعبان المباركة

أشار سكان حارة عيد إلى أن اللعنة حلت حتى على أولادهم ومستويات المعيشة فى المكان، فى حين أن الحارة المجاورة لهم لها حظ وافر، ولسكانها حياة هانئة لأن السيدة مريم دعت لهم، فعلى الرغم من رفض سكان حارة عيد القدماء إعطاءها الخبز، أعطاها سكان حارة شق الثعبان، فدعت لهم.

محكى بئر وشجرة مريم

بالقرب من حارة عيد ومسلة سونسرت، يوجد محكى بئر وشجرة مريم، محاط بأسوار عالية، يلفت انتباهك إليه جملة «يا مريم إن الله اصطفاك»، حكت لنا نادية شعبان مدير عام الشجرة سبب تسميتها.

قالت «شعبان»: مصر هى أول دولة استضافت العائلة المقدسة، بعدما هربوا من ظلم الرومان، وكانت مريم وقتها قد وضعت المسيح، وعندما شعروا بأن جنود الرومان يتبعونهم احتموا بتلك الشجرة، وانحنت عليهم بأغصانها حتى أخفتهم تمامًا.

ثم زرع أهل مصر الجيل الثانى للشجرة عندما أوشكت على السقوط، عن طريق أخذ فرع من الأصلية وزراعته بالقرب منها، ونما ليكون شجرة جديدة، وذلك الجبل هو ما عرج عليه جنود الحملة الفرنسية بعدما أصيبوا بمرض جلدى، وما إن أكلوا من الشجرة، ووضعوا من المادة البيضاء التى تفرزها على أجسادهم، تماثلوا للشفاء سريعاً، لذلك حفروا أسماءهم بالسيوف على جذع الشجرة.

وقد ظلت الشجرة على حالها حتى عام 1656 ميلاديا، وأصابها الوهن إلى أن سقطت، وبعد ذلك أخذ كهنة الآباء الفرنسسكان فرعا منها، وزرعوه فى الكنيسة، ويعد ذلك الجيل الثالث للشجرة بجانبها، وقد نما حتى أصبح شجرة وتفرعت منها عدة أفرع جديدة، أخذوا أحدها من الكنيسة، وزرعوه مجددا بجانب الجيل الأول والثانى، ليصبح بذلك الجيل الرابع، والموجود حتى الآن.

أما عن البئر المجاورة للشجرة فقد استخدمته السيدة مريم لغسل ثياب المسيح، وغسل جسده الصغير، عندما صبت الماء على جسده الطاهر، نبت مكان المياه نبات البلسان، الذى يتميز برائحة عطرة، وكان يرسل للملوك قديماً.

البئر محاطة بمجموعة أحجار لكنها مستحدثة، أى أنها لم تكن موجودة فى وقت وجود العائلة المقدسة، ويعتبر المكان مزارا دينيا وسياحيا هاما.

معجزات الشجرة

قال «محيى»، حارس المحكى إنه شاهد على العديد من حكاوى الناس مع الشجرة، حيث يأتى كل واحد لغرض ما، إما لتمنى أمنية، أو لأخذ قطعة من الشجرة المقدسة، التى لامست أجساد الصالحين، فقد يأتى شخص ليقطف من ثمارها «الجميز»، بأمر من المعالج الخاص به، الذى يطلق على نفسه «شيخ»، وقد عُرض على الحارس مبالغ طائلة لقاء قطعة من الشجرة، لكنه دائما ما يشعر بأنها أمانة، ويرفض فعل ذلك.

وأضاف محيى أن البئر كانت مطمعا للكثير من الناس، حيث كانوا يأتون ليأخذوا من المياه المقدسة، لزواج العانس، وشفاء المريض، وتحقيق الأمنيات، لكن وزارة الآثار منعت اقتراب الناس من البئر بأى شكل.

الكنيسة تحسم الجدل

قال الأب جورج سليمان، كاهن كنيسة العائلة المقدسة للكاثوليك بالمطرية، إنهم يؤمنون بمعجزات الشجرة والبئر، وما يعطيانه من عطايا للسائل، وذلك لمرور السيدة مريم والمسيح بها، لذا قد باركهما الله، وجعل كل من يمر بهما مباركاً، مُجاب الدعاء.

أما عن الحارة التى لا يختمر بها عجين، فأكد كاهن كنيسة العائلة المقدسة، أن تلك الحكايات لا أساس لها من الصحة، فلا يلعن أى شخص له قدسية مكانا، علاوة على ذلك لو رفض أهل المكان قديماً إعطاء السيدة مريم خبرا، فما ذنب السكان الحاليين.

الجانب النفسى

قال الدكتور فتحى الشرقاوى، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، إن تصديق الخرافات يعود لأربعة أسباب، أهمها الفقر الثقافى والأمية، لانه كلما ارتفعا قل معدل الرغبة فى الفهم والفكر وتصديق كل ما يقال دون إعمال العقل، أما السبب الثانى فهو العجز عن إيجاد حل منطقى، فيلجأ الناس للتفكير الخرافى، والسبب الثالث هو تكرار الحديث عن الموضوع، مما يؤدى لترسيخه فى أذهان السامعين، والسبب الرابع والأخير هو الجانب الدينى الذى يعد مصدر تصديق، كأن من تحدث باسم الله صدق.

ومن جانبه، علق الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، على إيمان الناس بالخزعبلات والأشباح، قائلًا: «إن هذه ثقافة، وخوف من هذه الأشياء، ولا يوجد لها أساس من الصحة»، وأضاف فرويز أن هذه الخرافات تتواجد فى جميع أنحاء العالم، مشيرا الى أن كل مجتمع لديه ثقافته وقناعته الخاصة حول هذه الأشياء غير الملموسة.