الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 07:41 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

هيك بنحكي

طارق سعد
طارق سعد

"حبيتك فى الصيف حبيتك فى الشتي.. نسم علينا الهوى من مفرق الوادي.. أهواك بلا أمل.. يا سهر الليالي يا حلو على بالي غني – غني على الطرقات ........"

من منا ليس له حكايات مع صوت وأغنيات السيدة "فيروز"، التى تقاسمت مع جمهورها فى مصر بالأخص، وفى الوطن العربي عامة أحداث وذكريات مختلفة فى حياته، وما زالت تعيش فى وجدانه وإيقاعها يتشابك مع طبلة أذنه.

علاقة الجمهور المصري بالسيدة "فيروز" علاقة خاصة جداً ومعقدة أيضاً، فإن وجد توصيفا دقيقا لهذه القامة الغنائية اللبنانية، فهو كونها سفير للهجة بلادها فى سائر البلاد العربية، فصوت "فيروز" حمل اللهجة اللبنانية وأدخلها بكل سلاسة فى نسيج حياة جمهورها العربي، وخاصة المصري، وهو ما جعل اللهجة اللبنانية سهلة وبسيطة على الأذن، فبأغنياتها وشموخ غنائها ورقي إحساسها أصبح جمهورها "يحكي" لبناني ويفهمه وكأنه يحمل شجرة الأرز.

الواقع يؤكد أن الفن يختصر المسافات ويلغي الحدود ويذيب الاختلافات بين المجتمعات، وهو ما تحقق بين مصر ولبنان، ليس فقط غنائيا،ً ولكن سينمائياً، فلا ننسى فترة سنوات النكسة وسوء الحالة السينمائية فى مصر فى تلك المرحلة، ليتوجه نجومها وقتها إلى لبنان من خلال أفلام مشتركة أو لبنانية وكذلك الإنتاج السينمائي.

مؤخراً امتد هذا التعاون أيضاً للدراما، فلم يعد غريباً أن تجد من النجوم المصريين من يضيئون فى لبنان، ونجوم لبنان يلمعون فى الدراما المصرية، وهو ما زاد من التواصل والترابط بين المجتمعين بشكل مضاعف، خاصة بعد انفتاح التعاون الإعلامي والموسيقي الغنائي على مصراعيه دون حدود، لتشعر وكأن الحدود المصرية اللبنانية مرسومة على الخريطة!

الحقيقة أن لبنان بالنسبة للمصريين ومنذ زمن بعيد ليست مجرد بلد عربي شقيق، ولكنها "أيقونة" يراها الشعب المصري بأعين مختلفة، فهي عنده "أيقونة" للجمال الطبيعي، وأيضاً إعادة تصنيعه، فإذا كان الحسن اللبناني يسكر العقول، فأيضاً ريادة التجميل اللبناني أصبحت ملاذاً وملجأ لكثير ممن يبحثون، عنه لتصبح لبنان هي "أفروديت" الوطن العربي.

أضف لذلك سحر الطبيعة فى لبنان وسلاسة شعبه وسهولة التواصل معه، إضافة للتعاونات الفنية المختلفة، فكم من النجوم صنعوا نجوميتهم وانتشارهم فى مصر هوليود الشرق "راغب علامة – نوال الزغبي - نيكول سابا – نانسي عجرم ..."، وغيرهم ممن تشعر أنهم أبناء بلدك ولا إحساس معه بالغربة، فرغم عدم وجود حدود جغرافية بينك وبين لبنان، إلا أنك دائما تشعر بأنها ملاصقة لك، بل وتذهب لتتأكد مجدداً من الخريطة!

لم ينفصل الشعب المصري عن اللبناني، طوال سنوات نكباته يشعر بأنينه ويراقبه ويمد له يده بالخير دائماً شعباً وإدارة، هناك علاقة حب متبادلة جعلت من لبنان حالة خاصة، مكان ومكانة بالقلب غير قابلة للمنافسة، وهو ما جعل القلوب تنفطر مع الانفجار التاريخي الذي هز بيروت وكاد أن يمحها لولا لطف الله.

نعم ضربت الشعب المصري بأكمله حالة من الاكتئاب وهو يرى المشهد اللبناني المأساوي، شاركه حزنه بنفس المشاعر، شاركه ألمه بنفس الغصة، قاسمه غضبه بنفس الغل، المصري لا يرتضي لـ لبنان ما يراه، يقينه بأن هذا البلد يستحق أكثر بكثير مما هو فيه جعله متضامناً معه بكل جوارحه، مطالباً تحريره من مختطفين أعلوا مصالحهم الشخصية على مصالح دول وشعب ليسوا فى الحسبان بالمرة، ولكنهم بالنسبة لهؤلاء مجرد "تورتة" فى انتظار تقسيمها والحصول على نصيبهم منها.

للأسف هذه المرة ليس مشهداً فنياً متقناً، ولكنه مشهد عبثي حقيقي أدمى القلوب وأسدل ستائر سوداء على مستقبل بلد عاش مضيئاً وأرادوه منكوباً.

تضامن مصر مع لبنان ليس محل نقاش أو شكر، وليس له شروط، فهو أمر فطري وتلقائي يخرج من القلب ليصل إلى القلب، وكما نقول دائماً فى جملتنا الشهيرة "لبنان بالقلب" فلا تحتاج لشرح... "هيك بنحكي".