الطريق
الخميس 28 مارس 2024 07:38 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد عبد الجليل يكتب: وزير الكهرباء عمل لي محضر سرقة يا سعاد!

محمد عبد الجليل
محمد عبد الجليل

منه لله اللي كان السبب، مَن يملك ضميرًا في هذه الأيام لا بدّ أنه سيدفع ثمنًا باهظًا ليقظته، وإلا فليسكت و"يعمل نفسه من بنها".

الحكاية أنني رفضت أن "أعمل نفسي من بنها" وأيقظت ضميري مبكرًا بعد أن كنت قد قررت منحه راحة يستمتع فيها بسلامه النفسي، حتى جاءني أحد الأصدقاء وبيده مهماز أخذ ينكش به الضمير المسترخي في أمان، وكانت شورته "المهببة" بتوصيل عداد كهربائي لشقة أملكها في شبرا الخيمة.

الشقة تحت التشطيب، وليس بها أي مرافق، ولأني رجل أعرف واجباتي ولا أتهرب من تبعات مواطنتي، أخذت بنصيحة هذا الصديق ولم أكذب خبرًا وتوجهت مثل أي مواطن صالح إلى مرفق الكهرباء الذي أتبعه وطلبت منهم توصيل الكهرباء، وكان أمامي خيار من اثنين لا ثالث لهما، إما أن أوصل الكهرباء من "خارج العداد" لأكمل تشطيب شقتي، وفي هذه الحالة سأكون سارقًا للتيار الكهربائي، وإما أن أذهب باحترامي إلى الشركة لأتقدم بطلب على العداد، ولم يكن لدي شك أن الحل التاني هو الأكرم لرجل مثلي، لكن ليتني ما عرفت شركة الكهرباء وليتني ما ذهبت إليهم برجلي!

داخل الشركة دار هذا الحوار بيني وبين الموظف:

- من فضلك عايز أوصل عداد لشقة تحت التشطيب.

- هات البطاقة وعنوان الشقة.

- اتفضل.

- هنزل معاك أعمل معاينة.

- الشقة على المحارة ومفيش مرافق خالص.

- يبقى لازم تعمل ممارسة.

- ماشي.. أعمل ممارسة وماله.

إلى هنا وحسبت أن الحكاية انتهت، ولم أعرف أنها بدأت عندما أخذ الموظف يكتب بحماس في دفتر أمامه، ثم أخرج إيصالًا من درج جانبي وملأه بأرقام قبل أن يعطيه لي ويقول بلهجة آمرة:

- تعال بعد أسبوع ادفع.

أخذت الإيصال وأنا في غاية الفرحة وقلت لنفسي: الأمور ماشية سهلة بعيد عن الروتين وفوت علينا بكره، والشقة قرفتها حلوة، لكن فرحة ما تمت، فقبل أن أغادر الشركة قرأت الإيصال فوجدت فيه الآتي: شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء/ إدارة الضبطية القضائية/ طلب حضور السيد فلان ورقم بطاقتي والعنوان.. طلب حضور سيادتكم لديوان عام قطاع الشبكات لمقابلة السيد فلان مأمور الضبط القضائي وذلك بسبب قيام سيادتكم (بسرقة تيار كهربائي مخالف شروط التعاقد) ونأمل عدم التخلف عن الموعد المحدد لعدم التعرض للعقوبات القانونية!

عدت منزعجًا لأستفسر من الموظف الذي قابلني بابتسامة باردة ولم يعطني فرصة:

- دي تعليمات السيد الوزير، ودي الإجراءات المتبعة من الشركة علشان تقدم على عداد لازم نعمل ممارسة، والممارسة دي سرقة ومحضر، تدفع 650جنيهًا.

- أنا ما سرقتش، أنا عايز عداد، وليه أدفع هذا المبلغ؟ هى الشركة عايزة تلم فلوس وخلاص تحت أي مسمى، يعني أنا متهم بسرقة تيار كهربائي؟

- نعم.

- طيب مش عايز ممارسة ولا عايز عداد!

- لا.. ده كان زمان.

يا وزير الكهرباء أليس من الممكن أن تقوم الشركة بعمل ممارسة من غير اتهام الناس بالسرقة وتغريمهم مبلغ 650 جنيهًا دون وجه حق؟ أم أنها جباية من أجل جمع الأموال من جيوب الناس الذين يعانون من غلاء المعيشة وقسوتها؟

وهكذا انتهت حكاية ضميري الذي استيقظ ليوم واحد بعد أن أزعجته من رقدته وقررت اصطحابه معي إلى شركة الكهرباء، فما كان منه بعد أن رأى ما آلت إليه الأمور إلا أن أخرج لسانه غيظًا وهو يقول لي: رأيت؟!

بقى أنا بقالي 50 سنة ما اتعمليش محضر، وبدل ما أدخل النهارده على العيال بكيس فاكهة أو 2 كيلو برتقال، أدخل عليهم بسرقة تيار كهربي.. مش عارف ليه جاي في بالي لقطة عادل إمام لما قال لمراته: أنا شربت حشيش يا سعاد.. أنا اتعمل لي محضر سرقة يا سعاد!