الطريق
الأربعاء 15 مايو 2024 05:46 مـ 7 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

تغييرات واسعة تطرأ على النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط

شهدت الفترة المنصرمة تغيرات بالمشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، انعكست على النفوذ الإيراني بالمنطقة العربية، الأمر الذي يهدد طهران بدفع ثمن باهظ، إن لم تغير سياستها الهادفة لتحقيق أحلام توسعية.

جريدة (الطريق) تنقل آراء المختصين والمحللين السياسيين الدوليين حول التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية بالفترة الأخيرة وتأثيرها على النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

النفوذ الإيراني يتناقص في العراق

حول مغذي الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق رغم إعلان البنتاجون سحب قواته القتالية وتسليم الجيش القواعد العسكرية، يقول الدكتور منقذ داغر رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث، والمدير السابق لمكتب فضائية الحرة الأمريكية في العراق، إن الهجمات على المواقع الأمريكية تعكس عدم انضباط بعض الفصائل المسلحة لأنه ليس لديها مصلحة في التهدئة وهي بذلك تخالف مرجعيتها الإيرانية التي باتت أكثر إرادة لجعل الوضع آمنا وهادئا في العراق خدمة لمصالحها في الاتفاق مع الولايات المتحدة.

وحول تأثير نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أقصت الوجوه السياسية القديمة من الساحة، على نفوذ إيران السياسي في العراق، وإن كان تشكيل حكومة يهيمن عليها التيار الصدري سيحدث فارقًا بالعملية السياسية، يقول الدكتور منقذ داغر صاحب أول استطلاع للرأي العام في العراق عام 2003، إن ما أفرزته الانتخابات في العراق من نتائج يمكن لها أن تؤثر على النفوذ الإيراني الذي يتناقص يوما بعد الآخر وفقد قاعدته الشعبية وبات محصورا في الفصائل الولائية وبعض السياسيين الذين تربوا في الحضن الإيراني.

الدكتور داغر يقول إنه قد لا تتمكن الحكومة الصدرية من الإيفاء بتعهداتها للجمهور لأسباب موضوعية كثيرة، لكنه يشدد على أن ما يحصل الآن يشكل علامة فارقة بتاريخ العملية السياسية في العراق -التي ظلت لسنوات رهينة لقرارا طهران-، ويؤشر لبداية وضع الأقدام على الطريق الصحيح بالإصرار على الأغلبية السياسية.

تأثير تغيير مسار العمليات العسكرية في اليمن على الحوثيين

حول تأثير تغيير مسار العمليات العسكرية في اليمن من قبل التحالف العربي على إيران ومليشياتها، يقول مصطفى النعيمي الباحث السوري المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، إن التكتيك الجديد للتحالف العربي أثر بشكل كبير على مليشيات إيران، ويظهر ذلك من خلال الخسائر الكبيرة التي تتكبدها ميليشيا أنصار الله الحوثية في الجبهات المشتعلة في مأرب وسابقا في محافظة شبوة والأثر الأكبر هو الرقابة الكبيرة التي تحصل على توريد السلاح إلى الميليشيا من الموانئ الإيرانية وصولا إلى الموانئ اليمنية وبعض الموانئ المستأجرة في جيبوتي وأرتيريا ومنها تنقل الأسلحة عبر دفعات من خلال العديد من قوارب الصيد السريعة، وسبق وأن ضبطت الولايات المتحدة الكثير من الشحنات في مياه الخليج العربي وبحر العرب وصولا إلى البحر الأحمر.

ويعتبر الباحث أن إزدياد عمليات التحرش من قبل القطع البحرية الإيرانية بالمدمرات الأمريكية في مياه الخليج العربي الذي يرافقه صمت في بعض الأحيان وعدم الرد أعطى دفعة معنوية لميليشيا فيلق القدس ومنحهم موافقة ضمنية على تغيير قواعد الإشتباك العسكري البحرية، لكن بنفس الوقت يرى بأن الصمت الأمريكي يندرج ضمن سياسة جر الخصم إلى مساحات بحرية أكبر وذلك من أجل كشف مستوى وقدرات تلك القطع البحرية وكيفية التعامل معها.

مصطفى النعيمي يعتبر أن: إيران لم تفهم رسائل الردع وسترد بمزيد من التغول، وتحريك الأذرع الولائية في الشرق الأوسط ضمن خطتها في عملية الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها من أجل المماطلة في إجراءات التفاوض في الملف النووي في محادثات فيينا ريثما تنتهي من العمل على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم بنسب تفوق 80%، لكن أرى أن عمليات التفجير التي شهدناها في كرمنشاه وهمدان وكردستان رسائل إسرائيلية واضحة بأن إسرائيل قادرة على تغيير كافة قواعد الإشتباك حال محاولة إيران الحصول على القنبلة النووية.

الضربات الإسرائيلية تؤثر على النشاط الإيراني في سوريا

وحول نتائج الضربات الإسرائيلية على سوريا يقول الباحث السوري مصطفى النعيمي المختص بتحليل تفاعلات الصراع الإيراني ـ الإسرائيلي في سوريا وتأثيره على العراق ولبنان، أنه لاشك أن الضربات في نتائجها الاستراتيجية منعت تدفق السلاح النوعي إلى الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات لاسيما من أبرزها حزب الله اللبناني والعراقي إضافة إلى حركة أنصار الله الحوثية في اليمن وتلك الميليشيات تعتبر حجر الأساس لمشروع ولاية الفقيه في الشرق الأوسط.

ويشير النعيمي إلى أن: الضربات الإسرائيلية لا يمكن أن تكون دون إخبار الجانب الروسي، فخطوط الملاحة الجوية تتطلب إخبار الروس بالعمليات الجوية الإسرائيلية وقوات التحالف الدولي لعدم وقوع صدام أو تماس في خطوط الملاحة الجوية سواء على الصعيد المدني أو حتى العسكري.

ولفت النعيمي إلى أن روسيا لم تفي بما تم التوافق عليه بالاجتماع الأمني الكبير لمدراء الأمن القومي لكل من أمريكا وإسرائيل وروسيا إبان التسوية الكبيرة التي جرت في المنطقة الجنوبية من سوريا في صيف 2018 والتي تم بموجبها اتفاق بين الأطراف كافة على إبعاد الميلشيات متعددة الجنسيات عن الشريط الحدودي لمرتفعات الجولان المحتل ب 50 كم. حيث: دخلت الميليشيات إلى المنطقة الجنوبية مما استدعى التعامل معها إما بهجمات بقذائف المدفعية أو من خلال المروحيات إضافة إلى المقاتلات الحربية لتدمر التحصينات داخل الجبال واستُهدفت العديد من مستودعات السلاح في محيط مطار العاصمة دمشق والذي تتمركز فيه ميليشيا فيلق القدس الإيراني إضافة إلى منطقة القلمون والتي ينشط فيها حزب الله اللبناني في عملية تخزين ونقل الصواريخ عبر أنفاق وسيارات شحن برية إلى لبنان.

روسيا والنفوذ الإيراني في سوريا

يعتبر الكاتب والباحث السوري إبراهيم الجبين أن روسيا بوضع حرج في سوريا اليوم، خاصة مع الإيرانيين، وهناك تنافس محموم على المصالح والمطارات والثروات السورية بين الروس والإيرانين تدور رحاه يومياً، في عدة مجالات بينها المؤسسات الاقتصادية التي تقوم إيران بهندستها من جديد بينما تحاول روسيا إخفاء ذلك الصراع بالتستر خلف تفاهمها مع الإسرائيليين وعدم عرقلة الضربات الإسرائيلية ضد المصالح الإيرانية في سوريا وتحديداً حزب الله والميليشيات الشيعية المتعددة الجنسية التي تستهدفها المقاتلات الإسرائيلية بشكل دائم.

إبراهيم الجبين وهو إعلامي سوري معارض يرى أن روسيا لن تستطيع تحجيم دور إيران في سوريا لأن طهران لا تقف مكتوفة اليدين، فهي أيضاً تمد اليد شرقاً نحو الصينيين وتعقد الصفقات معهم للعبث في الحديقة الخلفية لروسيا والجمهوريات الإسلامية فيها. ويقول: نحن أمام لعبة شطرنج كبرى يغيب العرب مع الأسف عن لعب أي دور فيها، ولعل الثقل المصري يمكنه أن يوازن الكفة بالتنسيق مع السعودية والدول العربية الفاعلة. من غير ذلك فإيران ومشروعها في توسّع يومي، وهو مشروع أخطر من داعش ومن كافة أشكال الإرهاب التي شهدناها حتى هذه اللحظة.

تثبيت الوجه العربي لـ لبنان

حول تصاعد الغضب اللبناني ضد حزب الله وتأثير ذلك على على حراك إيران في سوريا، يقول الإعلامي إبراهيم الجبين إن الغضب اللبناني ضد الهيمنة الإيرانية على هذا البلد، هو جزء من غضب شعوب المنطقة من التمادي الإيراني في بسط مشروع النفوذ الإمبراطوري الذي تعلنه إيران تحت أقنعة مختلفة، من بينها طائفي شيعي، أو ديني عام، بينما يمكن لوزارة الخارجية المصرية العودة إلى أرشيفها القريب واستخراج تصريحات خطيرة جداً أدلى بها بعض المسؤولين الإيرانيين في لقاءات جرت معهم حين قال بعض هؤلاء إن ما يفصل بين أبناء الحضارة الفارسية وأبناء الحضارة الفرعونية في هذا الزمن بضعة خيم (مشيراً إلى دول الخليج العربي ودول المشرق) متناسياً الدور المصري العربي المحوري وتأثير مصر في رد كل الهجمات العنيفة التي تعرّضت لها الهوية العربية وشعوب المنطقة.

يضيف إبراهيم الجبين الذي سبق وقدّم البرامج التلفزيونية الحوارية على شاشة الفضائية الرسمية السورية وعلى قنوات تلفزيونية عربية، أن: إيران تريد تدمير هياكل الدولة في المشرق العربي، واستبدالها بالميليشيات لتعيد حلم الشاه القديم بالتحول إلى شرطي للمنطقة، ولكن فوق الأنقاض، ووجودها في سوريا ليس مجرّد وجود عسكري إنما تنفذ تغييراً ديموغرافيا مبرمجاً بالتهجير وإحلال مستوطنين استجلبتهم من أراضيها ومنحهم الجنسية السورية، وكذلك بالتشييع الإجباري الحثيث وتغيير معالم البلاد. وهي لن تخرج بالمفاوضات ولا بالضغط ولا بإرداتها.

"الجبين" يؤكد أن إيران ليس هدفها الاقتراب من إسرائيل التي تزعم أنها عدوها الأول في طريق تحرير القدس، إنما تريد تحويل الدول العربية لأوراق لعب في طاولتها التفاوضية مع العالم حول ملفات استراتيجية كبرى. وينهي حديثه لجريدة (الطريق) قائلا: بدأ اللبنانيون يدركون ذلك أكثر من غيرهم حين توجهوا إلى مشاريع تحاول تثبيت الوجه العربي للبنان، في الوقت الذي تتخلى فيه قطاعات واسعة من ضحايا الغزو الإيراني عن عروبتها وكأنها تقدّم خدمة مجانية للمشروع الإيراني كان سيدفع الكثير ليحصل عليها.