الطريق
الإثنين 9 ديسمبر 2024 05:28 صـ 8 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

هل يفوز أردوغان بالانتخابات بعد إطلاق مشاريع التصالح مع الخارج وتجاهل الداخل؟

مع تبقي عام على الانتخابات التركية، يثار الآن في الرأي العام التركي تساؤل حول مصير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد 20 عامًا في السلطة، ومدى انفتاحه على تسوية الخلافات مع خصومه السياسيين.

هناك توقع قوي بشأن رحيل أردوغان عن السلطة دون الظفر بولاية جديدة، وخسارة انتخابات عام 2023، تمامًا كما كان هناك توقعات بإجراء انتخابات مبكرة.

ومن المعلوم أن كل استطلاعات الرأي تشير إلى أن أردوغان حتى اليوم لا يجمع عليه أكثر من 40 بالمئة من الناخبين في تركيا، في ظل وضع اقتصادي صعب، بلغ فيه التضخم 70 بالمئة، ويتفشى الاستقطاب السياسي بشدة في البلاد.

لكن هل يكفي هذا للجزم بأن أردوغان الذي وصل لمنصب رئيس الوزراء عام 2002، لن يفوز مجددًا بمنصب الرئيس، ويدخل معه حزب العدالة والتنمية العقد الثالث في الحكم؟.

أرى أنه من السذاجة الاقتناع بذلك، ولا أقول هذا ثقة في شعبية أردوغان الجارفة.

كان هناك مؤخرًا حراك لستة أحزاب معارضة في تركيا، تم الاتفاق بين قادتها على استعادة النظام البرلماني، وإزاحة أردوغان عن السلطة.

رغم ضخامة ما تسعى المعارضة لإنجازه، إلا أن ذلك لا يجذب الغالبية العظمى من الناخبين الأتراك للتصويت لصالحهم.

الليرة التركية تفقد قيمتها بمرور الوقت، والتضخم يقفز شهريًا إلى مستويات غير مسبوقة، وانتقادات المعارضة لإدارة أردوغان الاقتصادية، وسياسته المالية غير المعهودة التي يفرضها على البنك المركزي المسلوب استقلاليته لا تتوقف، إلا أنه ليس هذا أيضا ما يجعلني أصدق سهولة رحيل أردوغان عن المشهد السياسي في تركيا، كما كنت أرفض تصديق ما روجت له المعارضة العام الماضي بشأن سعي أردوغان لعقد انتخابات مبكرة، بينما هو في أضعف حالاته.

حتى الآن لم يتقدم أي حزب معارض ببرنامج إصلاح اقتصادي يرفع العبء عن كاهل المواطن، أي أن المواطن التركي لم يجد من حلف المعارضة وعدا بخفض تكلفة فاتورة المصروفات الشهرية، كما ينتظر، مما يجعله يخشى المغامرة، أضف إلى ذلك أن المعارضة لم تتوافق على مرشح مشترك لمنافسة أردوغان، رغم ظهور شخصيات مؤخرا تتمتع بشعبية جماهيرية، مثل عمدة أنقرة منصور يافاش وعمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو.

لكن السبب في اقتناعي الأكبر بفوز أردوغان مجددًا، يكمن ببساطة في أن أردوغان سيعبث مجددًا بقواعد اللعب كما اعتاد أن يفعل في العقد الأخير، في حين أن المعارضة لا تمتلك أجندة عمل واضحة تلبي الطموحات، والمنافسون القدامى لأردوغان لا يقبلون بإفساح الطريق أمام شخصيات أكثر قبولا.

مع صعوبة اكتساب مؤيدين جدد، بل وتعويضا للنسبة التي يفقدها؛

يلجأ أردوغان مع قرب الاستحقاقات الانتخابية لمحاصرة المعارضة وجعل قدرتهم على المنافسة أمام حزبه ضعيفة.

كما لا يمكن إغفال أن أردوغان يعتمد في فوزه، على التحالفات المصلحية التي تعقد قبل الانتخابات مباشرة، مثل ما حدث في الانتخابات البلدية عندما أمر باستضافة شقيق الزعيم الكردي المنفي عبد الله أوجلان على التلفزيون الرسمي للدولة، ليوجه رسالة إلى الناخبين الأكراد من أجل دعم مرشح الحزب الحاكم في إسطنبول.

خلال الشهر الماضي تم تعديل قانون الانتخابات في تركيا. مختصر التعديلات هو منع الأحزاب المعارضة الصغيرة من خوض الانتخابات ضمن تحالفات مع حزب المعارضة الرئيسي "الشعب الجمهوري"، وخفض العتبة الانتخابية قليلا للحفاظ على بقاء حزب الحركة القومية في تحالفه، وربما ضم أحزاب مشابهة، ومنع انتقال البرلمانيين للأحزاب الجديدة، وهذا كفيل بتقوية موقف التحالف الحاكم في الانتخابات المقبلة.

أما على الصعيد الخارجي، يمكن أن نرى كيف يعمل أردوغان سريعًا على تقليص مستوى العداوة بينه وبين دول المنطقة، لتعويض الخسائر الاقتصادية من ناحية، ولتمهيد الطريق من ناحية أخرى أمام دخول انتخابات العام القادم بأقل قدر من المشاكل الخارجية.

أردوغان أصلح علاقاته مع إسرائيل والإمارات والسعودية ونوعا ما مع اليونان وأرمينيا ويحاول جاهدًا مع مصر وبشكل حريص مع سوريا، وحصل بذلك على "هدنة دبلوماسية" ليتفرغ لإصلاح مشاكله الداخلية، ويأمل في أن تصب تلك المصالحات في الاقتصاد، وبالفعل حصل على استثمارات إماراتية ضخمة وينتظر استعادة حركة التبادل التجاري مع السعودية، كما أمنها مع إسرائيل، وضمن عدم انقطاعها مع مصر.

خصوم أردوغان حاليا ليسوا فقط العلمانيين الممثلين في حزبي الشعب الجمهوري بقيادة كليتشدار أوغلو والخير بزعامة ميرال أكشنار، ولا حتى من الأكراد في حزب الشعوب الديموقراطي، بل انضم إليهم المحافظين أبرز داعميه سابقا، مثل حركة الخدمة بزعامة فتح الله جولن، ووقف الفرقان وحزب السعادة الإسلامي، بجانب حزب المستقبل بقيادة داود أوغلو والديمقراطية والتقدم بقيادة علي باباجان المنفصلين عن حزب العدالة والتنمية.

لكن أبرز دليل على أن أردوغان الذي حول نظام الحكم في تركيا لأول مرة إلى "رئاسي" ليؤمن لنفسه صلاحيات واسعة وبقاءًا أطول في الحكم، لم يعد يراهن كثيرًا على استقرار الدعم الشعبي كما كان في السابق وبات يتحكم فيه قبيل الذهاب إلى الانتخابات، ويسعى بدلا من ذلك لإضعاف معارضيه كما أضعف البرلمان؛ أنه وجه مشاريع التصالح إلى الخارج، بدلا من الداخل، لإنقاذ نظامه من الورطة الاقتصادية، فيما لا يزال مستمرًا في تخوين وتهديد كل من يفكر في انتقاده.

سيجذب أردوغان الناخبين إليه مجددا ببساطة بقرار مثل ترحيل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يحملهم الأتراك أزمة البطالة في البلاد، بعد أن كانت المعارضة تضع هذا الوعد على رأس برنامجها الانتخابي، اعتمادًا على موقف أردوغان الصارم سابقا بشأن رفض إعادة "إخواننا المهاجرين"، والذي تحول قبل أيام بوعد بإعادة مليون لاجئ سوري خلال 2023 "بشكل طوعي!".