الطريق
الخميس 2 مايو 2024 04:19 صـ 23 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

آخرهم طالبة المنصورة.. أسباب ودوافع ارتفاع جرائم القتل ذبحا

نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة
نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة

مشهد مُروع ومُرعب، بشع، يدمي القلب والوجدان شهدته مدينة المنصورة، الاثنين الماضي، شاب جامعي (20 سنة) يذبح زميلته الجامعية «نيرة أشرف» بسلاح أبيض، غافلها وانهال عليها غدرا بطعنات غائرة في أماكن متفرقة من جسدها، ولاحقها حين خارت قواها بفعل طعناته، ولم يتورع عن نحرها ذبحا من رقبتها بقطع طوله 12 سم وعمق ثلاثة سنتيمترات، لتسقط صريعة غارقة في دمائها، قبل أن يُمسك به الأهالي ويسلمونه للشرطة.

هذا المشهد المُفزِع، حدث أمام بوابة جامعة المنصورة فيما كان الجاني الذابح والضحية المذبوحة في طريقهما لأداء امتحان نهاية العام بالفرقة الثالثة بكلية الآداب، ليغتال أحلام الفتاة في الدراسة ومن ثم في الحياة.

الخلفيات

في التفاصيل التي رشحت، أن الجاني، كان يُحب القتيلة ويرغب في الزواج بها، ولم تقبل به خطيبا لها، وأنه كان يطاردها بمنشورات على صفحة فيس بوك خاصته متغزلا فيها، وأنها أغلقت في وجهه صفحاتها للتواصل الاجتماعي، وأن جلسة عرفية جمعت بين الأسرتين أسفرت عن قيامه بحذف منشوراته.

وقال الدكتور فؤاد عبد النبي، أستاذ القانون في جامعة المنوفية، إن هذا المشهد المفزع، ليس وليد اللحظة أو المشادة الكلامية بينهما التي سبقته، في «الميكروباص» الذي كان يُقلهما من بلدتهما المحلة الكبرى إلى المنصورة، إذ كان الشاب القاتل يحاول فرض نفسه على الضحية، وهو ما رفضته، بمساعدة الركاب.

وأضاف «عبد النبي»، في تصريحات لموقع «الطريق»، أن حيازة الشاب للسكين، تعني عزمه على إنهاء حياة «نيرة»، أو أن فكرة «القتل» ملكت عليه تفكيره، واستعد لها، إلى أن حانت الفرصة.

وعن مصير هذا الشاب الجاني، أكد أستاذ القانون في جامعة المنوفية، أن الرعونة والهمجية التي ارتكب بها الشاب جريمته تشير إلى التربص وسبق الإصرار والترصد، وغالبا سيكون «مصيره» الإعدام شنقا.

تزايد جرائم الذبح

هذه الطريقة البشعة للقتل ذبحا، تزايدت عبر جرائم عديدة مشهودة مؤخرا، منها جريمة ذبح شاب لآخر، علنا على مرأى من الكثيرين، في نوفمبر الماضي، وسط مدينة الإسماعيلية، مع قطع رأس الذبيح، والتجول بها في شوارع المدينة.

وقتلت سيدة في العقد الرابع من العمر ذبحاً بالسكين على يد ثلاثة من أشقائها أمام طفلتها البالغ عمرها 15 عاماً، في يناير الماضي، بمنطقة الهرم في محافظة الجيزة.

شهدت منطقة شبرا الخيمة ذبح شاب لآخر وسط الشارع، في أبريل الماضي، وأظهرت التحريات الأولية أن الحادثة جاءت بسبب لهو الأطفال ومشاجرة حدثت بينهما.

وذُبح كاهن الإسكندرية منذ أسابيع، على يد رجل مُسن مسكون بالتعصب والتطرف، كما أقدمت أم مؤخرا بذبح أطفالها الثلاثة ومحاولة الانتحار بقرية «ميت تمامة» بالدقهلية، بعد مرورها بحال نفسية سيئة.

الأسباب والدوافع

من المفارقات في حادث ذبح فتاة جامعة المنصورة أن الشاب القاتل يدرس كما الفتاة «علم الاجتماع»، وهو العلم المعني أصلا مع علوم الإجرام والنفس والتربية والدين بدراسة مثل هذه الظواهر، وتحليلها، للوقوف على أسبابها بدقة، ومن ثم تحديد سُبل العلاج للحيلولة دون تكرارها، أي كان مُفترضا أن دراسته هذه تمنعه من التفكير بالقتل أساسا، أو من فكرة الانتقام.

خلل أخلاقي وتربوي

وعقب الدكتور وليد رشاد أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بأن تزايد معدلات حوادث القتل، والتحول نحو الذبح كوسيلة، يقرع أجراس الخطر، بأن خللا قيميا وأخلاقيا وتربويا شديدا يمسك بخناق المجتمع، ويقوده أفراد منه إلى نوع من «الفوضى»، التي هي سعي الفرد لاستخلاص «ما يراه» حقا له، بيده بعيدا عن القانون.

وقال «رشاد»، في تصريحات لموقع «الطريق»، إننا «بصدد جرائم قتل مُستجَدة ناجمة عن دوافع لا تستدعي بالمرة كل هذا العنف أو القتل من الأساس بهذا الأسلوب الكارثي، هذا الخلل يتطلب انتفاضة من الأجهزة المختصة والمؤسسات البحثية والعلمية المعنية، للوقوف على الأسباب وإيجاد الحلول، وهي بالتأكيد ليست حلولا أمنية، ولا تغليظا للعقوبات، بل حلولا تربوية وثقافية وإعلامية واجتماعية ودينية، تتشارك فيها المؤسسات المختصة بهذه المجالات دراسةً وتنفيذا، وفق خطة مرسومة بدقة».

وقبل نحو 20 عاما، كان المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، المُنشأ منذ عام 1955، والمختص بدراسة مثل هذه الظواهر ومؤشراتها وتحديد بواعثها، استنادا إلى بيانات إحصائية سنوية كانت تُصدرها وزارة الداخلية، ترصد فيها الجرائم كما ونوعا.

الأعمال الفنية

بدورها، أكدت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أنه «إذا كان القاتل يحب الفتاة فعلا، ولو إلى درجة الجنون، فما كان ليفكر، أو يستجمع الإرادة لقتلها، حتى لو رفضته وفضلت غيره، فلا يمكن للحُب ان يقود المُحب إلى قتل محبوبته، وتاريخ العشق يخبرنا بصعوبة واستحالة ذلك».

وقالت «خضر»، في تصريحات لموقع «الطريق»، إن العنف الساري والمستشري في المجتمع بخطوات متسارعة جاء نتاجا لأعمال فنية هابطة ساهمت في الترويج للبلطجة والفساد والمخدرات ومخاطبة الغرائز، بخلاف غياب القدوة، واعتلاء التافهين للساحات والمنصات، والفقر المنتشر باضطراد، وما يتبعه من تراجع أُسري تربوي وقيمي، وإحباطات وصراعات، فضلا عن غياب الدور التربوي والتثقيفي للمدارس والجامعات ومؤسسات الثقافة والإعلام.

السوشيال ميديا

وأشارت أستاذ علم الاجتماع، إلى أن انتشار فيديو لذبح للفتاة المسكينة، كما النار في الهشيم، مثلما انتشرت مقاطع مشابهة من قبل، وتورط بعض المنصات الإعلامية والصحفية في النشر لحصد المشاهدات، هو من العوامل السلبية المساعدة على إشاعة العنف كالفن الهابط، بل وإماتة القلب.

وشددت «خضر»، على أن مثل هذه الفيديوهات بما تحويه من عنف تنقل الجريمة نفسها من كونها منبوذة وشاذة إلى العادي والمعتاد، بما يدفع البعض للتقليد والتكرار لها عند اللزوم، وهي مشكلة مرتبطة بوهن أخلاقي ومهني ونقص الوعي، والقابلية للانقياد لدى المُنساقين وراء «الشير» أو المشاركة لهذه المقاطع، إعلاءً لقيمة الربح والتكسب والظهور أيا كانت النتائج والأضرار على المجتمع والغير.

تحقيق النيابة العامة

وتباشر النيابة العامة التحقيق العاجل في الواقعة، متعهدة بسرعة إنجازه، موضحة «أنه بعد مناظرة جثمان المجني عليها تبين ما بها من إصابات بالعنق والصدر ومناطق أخرى بجسدها، واستمعت لشهادة اثنين من أفراد الأمن الإداري بالجامعة من شهود الواقعة واللذين أكدا تعدي المتهم على المجني عليها بالسكين».

وناشدت النيابة العامة المواطنين تقديم أية أدلة إلى جهات التحقيق المتخصصة إذا ما كانت تفيد في كشف الحقيقة من دون تداولها بمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المختلفة، لأسباب لا علاقة لها بالصالح العام أو التوعية العامة.

معدلات الجريمة

في إحصاء سابق لوزارة الداخلية عام 2019، فإن عدد جرائم القتل العمد عام 2010 سجل 774 جريمة، لكنها تضاعفت ثلاث مرات عام 2012 لتسجل 2144 حالة، وارتفعت عام 2014 لتصل إلى 2890، ثم بدأت بالانخفاض خلال الأعوام الثلاثة المتتالية لتقل عن حاجز الـ 2000 جريمة، إذ بلغت عام 2015 نحو 1711 وفي العام 2016 1532، أما في العام 2017 فكان عددها 1360.

وأرجعت وزارة الداخلية، أسباب ارتفاع نسب الجريمة إلى انتشار الأسلحة النارية والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي والتأثيرات الناتجة من الأعمال الفنية وانعكاسها على المواطنين بتقليدهم لها، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والمتغيرات المحيطة بالدولة.

وأوضحت أن «وراء زيادة معدل الجرائم ظهور أنماط جديدة لها، وتكوين تشكيلات عصابية من الشباب العاطلين، وسهولة تنفيذ بعضهم جرائم السرقات بسبب قصور المواطنين في تأمين ممتلكاتهم وغياب الوعي الاجتماعي والثقافي».

وفيما باتت جرائم القتل العائلي وحدها تشكل نسبة الربع إلى الثلث من إجمالي جرائم القتل، يرجح المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن 92% من هذه الجرائم ترتكب بدافع العرض والشرف، فضلاً عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.

اقرأ أيضا: هل تسبب الفن في انتشار العنف داخل المجتمع؟