الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:53 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

زواج القاصرات.. اغتصاب مقنن وانتهاك لبراءة الطفولة ونوع من أنواع الاتجار بالبشر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تأمين المستقبل وإزالة حمل الفتاة من على أكتفاء والدها أو أسرتها، هذه هي أهم المبررات التي يتخذها الآباء حجة لتبرير زواج بناتهن القاصرات ممن هن تحت السن القانوني المحددة للزواج في مصر بـ 18 عاما، معتمدين في ذلك على الفتاوى الدينية واسعة الانتشار والتي أطلقها بعض مشايخ السلفية بجواز تزويج الفتيات بداية من 9 سنوات وتحريم وجود سن أدنى..

ورغم حالة الجدل الكبيرة بشأن زاوج القاصرات ومحاولة تجريم هذا الزواج والتوعية بمخاطرها الكثيرة الجسدية والنفسية والاجتماعية والموجودة منذ عقود إلاً أن الظاهرة ما زالت شديدة الانتشار في محافظات مصر المختلفة، فوفق أحدث الإحصائيات الصادرة عن مرصد حقوق الطفل التابع للمجلس القومي للطفولة هناك 2 من كل 10 فتيات مراهقات يتم تزويجهن مبكرا، كما وصل عدد حالات الزواج من فتيات ممن هن تحت السن القانوني إلى 117 ألف العام الماضي وذلك وفق أحدث التقارير الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ولم يقتصر الأمر على زيادة العدد فقط بل أن إرغام الفتيات على هذا الزواج جعلهن عرضة للقتل والإصابة، ولعل ذلك ما أدى إلى زيادة مطالبات أعضاء مجلس النواب مؤخرا بضرورة السيطرة على ظاهرة زواج القاصرات وتشريع بعض القوانين المجرمة لها.

بلوغ الرشد شرط لصحة عقد الزواج

وقال الدكتور أحمد محمود كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه من المقرر شرعا أن أي عقد من عقود المعاملات في الشريعة الإسلامية يشترط لنفاذه ولزومه أن يتمتع العاقدين بالأهلية الشرعية وهي "الرشد"، وهذا يقتضي العقل وما بعد التكليف الشرعي، والرشد يقدر عند الفقهاء بـ 18 عاماً للأنثى و21 عاما للذكر، ولذلك فإن الزواج أقل من هذه السن يعد شبه باطلا.

وأضاف "كريمة" أنه لا صحة لما يروجه مشايخ السلفية من إمكانية زواج الفتيات بداية من بلوغها 9 أعوام أسوة بالسيدة عائشة، لأن ذلك غير صحيح ولم يحدث حيث أن السيدة عائشة رضي الله عنها، خطبت قبل خطبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لها بثلاثة سنوات، فهل يعقل أن يكون الخاطب الأول خطبها وهي سن الرضاعة"، مشيرا إلى أن الصحيح هو أن النبي تزوج السيدة عائشة وهي ابنة 18 عاما.

وأشار الدكتور أحمد كريمة، إلى أن المسئولية في تزويج القاصرات تقع أولا على الدولة وذلك لغضها الطرف عن الأراء الشاذة للسلفية وعدم محاسبة المسئولين عنها، تلك الآراء التي يتخذها الكثير من المشايخ الجاهلين حجة لتزويج مثل هذه الفتيات ويعتمد عليها الكثير من الآباء أيضا، مضيفا أنه حتى وإن كانت المسئولية فردية إلا أن ترويج السلفية لمثل هذه الفتاوى تحت مرئى ومسمع من الدولة يجعل الدولة هي المسئول الأول عن هذا لأن المتسبب كالمباشر.

ومن جانبه أوضح الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن زواج القاصرات هو أي زواج يتم دون بلوغ الفتاة سن التكليف أي ما هو أقل من 18 عاما، وأنها ظاهرة لا يقتصر انتشارها على مصر فقط بل هي منتشرة في جميع دول العالم الثلاثة ممثلاً على ذلك بنسبة انتشارها في مصر والتي حددتها أحد الإحصائيات الرسمية في 14 % من إجمالي حالات الزاوج وكانت لفتيات أقل من 15 عاماً، بينما في دولة اليمن وصلت نسبة زواج القاصرات فيها إلى 65% من إجمالي حالات الزواج.

وقال "هندي": "يتم يوميا في مصر توثيق ما يقرب من 300 حالة زاوج لقاصرات بالشهر العقاري ويرتفع العدد إلى 500 في فصل الصيف نتيجة زيادة عدد السياح العرب وانتشار ما يسمى بزواج الصفقة أو الزاوج الصيفي والذي يقوم به الكثير من سماسرة الزواج والمحامين عديمي الأخلاق وكذلك بعض المشايخ مدعي التدين".

وأضاف: "زواج القاصرات ما هو إلا اغتصاب مقنن وإنتهاك واغتيال لبراءة الأطفال فهو يحولهن لمتاع للفراش وليس للزوج فقط بل لأصحابه وأبنائه في بعض الأحيان ولذلك فهو يعد نوع من أنواع الاتجار بالبشر".

وأشار إلى أن زواج القاصرات ينتشر بسبب العديد من الأسباب التي تنحصر ما بين أسباب مادية تتمثل في الفقر وحاجة الكثير من الأسر للمال فيضطر الأب إلى بيع أحد بناته مقابل المال حتى يستطيع أن ينفق على أشقائها الآخرين، وأسباب ثفافية متعلقة بالرغبة في ستر البنات والحفاظ على شرفهن وحمايتهن من العنوسة، وكذلك أيضاً تستخدمه بعض الفئات وسيلة لتوطيد العلاقات الأسرية وحماية الميراث وتظهر بشدة في زواج الأقارب.

وأكد "هندي" أن زواج القاصرات له الكثير من الآثار الخطيرة أهمها أن أغلب هؤلاء الفتيات يشعرن بالصدمة العاطفية لأنهن يحتاجن إلى الرعاية وليس أن يقمن هن برعاية الآخرين خاصة بسبب عدم وجود أي استعداد نفسي أو بدني للزواج، كما يشعرن بالقلق والاكتئاب والشعور الدائم بالخوف والتوتر، ويعانين كذلك من عدم التكيف العاطفي مع الزوج خاصة وأن العلاقة الزوجية تكون أشبه بعملية الاغتصاب اليومي، مشيرا إلى أن زواج القاصرات يعرض الفتيات أيضاً للأساءة لأن أغلبهن يتعرضن للضرب ويمارس عليهن العنف بكافة أشكاله، كما أن زواج القاصرات من أهم أسباب ارتفاع نسب الطلاق وكذلك ارتفاع نسبة المرأة المعيلة في المجتمع.

وأشار إلى ضرورة الحل التوعوي من خلال تناول هذه الظاهرة من خلال وسائل الإعلام الواعية والتركيز على مخاطرها وسلبياتها وتوعية الأهالى والفتيات من خلال المتخصصين وفي المقابل هدم كافة الاراء المتشددة وعدم السماح لغير المتخصصين بإصدار الفتاوي الشاذة، مع أهمية تفعيل الخط الساخن لنجدة الطفل وتعليم الفتيات بضرورة الاتصال به في حالة تعرضهن لأي ضغوط أسرية لإجبارهن على مثل هذا الزواج.

وشدد على الاهتمام بعمل ما يسمى بـ "المحمية" والتي يتم فيها تأهيل لمثل هؤلاء الفتيات وتعليمهم حرف مهنية مفيدة وإعادة دمجهم فى المجتمع و كذلك إعادة المتسربات منهن للتعليم مرة أخرى، حتى يصبحن أكثر قوة على مواجهة الأمور وكسب المال الحلال.

آثار خطيرة ومتعددة

وقالت الدكتورة فاطمة الشناوي، استشاري العلاقات الزوجية والنفسية، والتي أكدت على أن الزواج المبكر جريمة في حق الفتيات الصغيرات وهو غير مقبول اجتماعيا أو أخلاقيا، لأنه يؤثر عليهن بشدة ليس فقط على المستوى النفسي بل أيضا على المستوى الجسدي والفسيولوجي والاجتماعي، وذلك لأن الفتيات أقل من 18 عاما لم يكتمل لديهن كافة الأجهزة الجسدية والتي تكتمل ببلوغ سن الرشد، وبالتالي فإن هذه الأجهزة لا تعمل بكفاءة مما يؤدي إلى ظهور بعض التأثيرات الصحية الخطيرة والتي تظهر مثلاً في حالة حدوث حمل في شكل ولادة مبكرة أو فقدان للأجنة أو إصاباتهم بتشوهات، ليس هذا فقط بل أن نسبة كبيرة من هؤلاء الفتيات يفقدن حياتهن أثناء الولادة ويصابن بأمراض مثل هشاشة العظام وسوء التغذية.

وأضافت: "الفتيات الصغيرات غير ناضجات بالقدر الكافي وغير مدركات جيداً لمعنى الزواج وتحمل المسئولية فهن مازلن يبحثن عن الحنان فكيف يمكن لهن أن يتحملن مسئولية أسرة كاملة ومتطلبات زوج ورعاية أطفال، ولذلك فهن أكثر عرضة للإصابة بالقلق والحزن والاكتئاب، وكذلك بمتلازمة الخوف من الجماع وعدم القدرة على التعامل معه، والتأثيرات الاجتماعية تشتمل على عدم إكمال أغلبية هؤلاء الفتيات لتعليمهن مما يجعلهن غير قدرات على تعليم أبنائهن مستقبلاً وكذلك تزداد المشاكل والخلافات نتيجة عدم التوافق فتكثر بينهن حالات الطلاق".

وأكدت استشاري العلاقات الزوجية والنفسية على أهمية السيطرة على ظاهرة زواج القاصرات من خلال زيادة حملات التوعية خاصة المباشرة في القرى والنجوع والمناطق الفقيرة من خلال مرشدات يذهبن بشكل مباشر للمنازل لتوعية وتثقفيف الأهالى والفتيات، وكذلك التوعية عبر حملات إعلامية في وسائل الأعلام المختلفة ومحاربة كم الفتاوي السلفية الموجودة بهذا الشأن.