الطريق
الخميس 2 مايو 2024 06:15 صـ 23 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الشيخ محمود إبراهيم لـ«الطريق»: هجرة النبي إلى المدينة سبب بناء دولة قوية اقتصاديًا

الهجرة النبوية حدث تاريخي عظيم، بها انتقل المسلمون نقلة حقيقية من دار الكفر إلى دار الإيمان، حيث كان يلاقي المؤمنون أذىً شديدًا، فجاءت الهجرة إلى يثرب إنقاذًا لهم من هذا العذاب وإيذانًا لرسوله الكريم صلى عليه وسلم بأن يبدأ حياة جديدة مع أصحابه وتقويم هذه الحياة بدعائم شاملة للدين والحياة.

وقد بدأ شهر الله المحرم من العام 1444 هـ هذه الأيام، فكان لا بدّ لنا أن نقف معها وقفة جديدة، كالنظر إليها من الناحية الاقتصادية. "الطريق" التقت الشيخ محمود إبراهيم عبد الغني، الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف المصرية، واختصاصي مدارس القرآن بالأوقاف في سلطنة عمان، ليحدثنا عن ذلك

فضيلة الشيخ، هل هناك علاقة وثيقة بين الهجرة النبوية والنواحي الاقتصادية؟

بعد الحمد والثناء على الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أقول وبالله التوفيق: الارتباط وثيق جدًا بين الهجرة النبوية والنواحي الاقتصادية، لأن الهجرة النبوية تبعها بناء دولة عريقة قدمت الفضيلة للعالم كله، وصنعت نموذجا اقتصاديا متينا، أثر سلبا في مكة وإيجابا في المدينة المنورة.

معلومٌ لدى الجميع أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بُشِّر بالنبوة عرف أنه سيهاجر، فما انعكاس ذلك على الناحية الاقتصادية؟

النبي صلى الله عليه وسلم -عند نزول الوحي- كان قد بلغ الأربعين، وهو كشاب بلغ الأشد، ويمتاز بالأصالة والانتماء إلى وطنه الذي تربَّى في أحضانه وله فضلٌ عليه؛ لا بدّ أن يكون في تخطيطه المستقبلي، كيف يبني وطنه اقتصاديًا ويُخلص له، فكيف له وبعد هذه السن أن يذهب إلى وطنٍ آخر يبني فيه!

لهذا تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من الخبر عندما قال له ورقة بن نوفل إنك نبي هذه الأمة، وإن الذي نزل عليك هو الناموس الذي نزل على موسى، وليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك، فقال له عليه الصلاة والسلام «أوَ مخرجيَّ هم؟»، وفي هذا الرد النبوي رسالة لكل شاب يحب وطنه أن يكون له عامل بناء لا معول هدم.

هل كان للهجرة النبوية تأثير سلبي في اقتصاد قريش؟

أخطر قرار اقتصادي أخذته قريش هو إخراج الرسول الله عليه وسلم وأصحابه من بينهم، فمن المعلوم أن مكة وادٍ غير ذي زرع، وأن اقتصاد قريش قائم على رحلتي الشتاء والصيف وتجارة الأصنام حول الكعبة، ولم تكن الصناعة البدائية تدر عليهم دخلًا اقتصاديا يكفيهم، لذلك كانت التجارة الينبوع الاقتصادي الأساسي لحياتهم، وقد خسرت قريش كوادرها الاقتصادية الأساسية أمثال عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وأبو بكر صديق (الذي أنفق على الهجرة)، وصهيب الرومي الذي لم يستنكروا عليه إيمانه بل استنكروا عليه ثراءه وهو في مكة إذ يذهب به إلى يثرب، وقالوا أتيتنا صعلوكًا فقيرًا، وتريد أن تخرج بمالك ونفسك، قال إن شئتم دللتكم على مالي بمكة فخلو سبيلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «ربح البيع».

وقد عقل أبو جهل -بعد فوات الأوان- مدى الخسارة الاقتصادية التي ستتكبدها مكة، فأنفق مائة ناقة لمن يُوقف الهجرة ولكن هيهات هيهات! فهو لم يكن بهذه البلاهة حتى ينفق مائة ناقة من جيبه الخاص، وإنما كان يعلم جيدًا أن التجارة في مكة في خطر، وأن النجاح الاقتصادي واعد ليثرب، فإذا خرج النبي وأصحابه جفت ينابيع تجارة قريش، وحوصرت رحلتا الشتاء والصيف، فكان الأفضل له أن يخسر مائة ناقة بدلًا من خسارة تجارته كاملة.

اقرأ أيضًا: عاجل | ساويرس يدافع عن محمد رمضان: إسرائيلية مزة

وكيف أثرت الهجرة النبوية إيجابًا في أهل يثرب؟

لقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم دعائم الاقتصاد في يثرب يوم أن وطأتها قدمه الشريفة، وانتظر التاريخ ليسمع ويسطر أول كلماته، فإذا به عليه الصلاة والسلام يقول: أفشوا السلام، وفي إفشاء السلام بناء للاقتصاد، لأن الحرب تأكل الأخضر واليابس، وإذا أغورت النفوس وزادت المشاحنات قلت التعاملات ووقف البيع والشراء فوقفت التجارة، لهذا عقد النبي مجلس الصلح بين قطبي يثرب وأصحاب العراقة وهم الأوس والخزرج فأصلح بينهما، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، فجنى الثمرة يوم قال عبد الرحمن بن عوف لأخيه الذي آثره بإحدى زوجتيه وشطر ماله: «بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق»، فلو لم يكن هناك مناخ اقتصادي يعرفه عبد الله بن عوف -وهو التاجر المعروف- لاكتفى بأن يعيش عالةً على أخيه، ولكن كان تصرفه أول باكورة إيجابية للاقتصاد في يثرب.

فهل من حكمة في تحريم الخمر بعد الهجرة وليس قبلها؟

كان المؤمنون في مكة قبل الهجرة حفنة قليلة لا يستطيعون إحداث التأثير الاقتصادي، وكان بناء العقيدة هو الأساس، لأن الذي يجود بنفسه ويهاجر لا يهمه ماله ولو آثر به غيره، أما بعد الهجرة وتأسيس الكيان الاقتصادي في المدينة فقد وجدنا أن النبي أرسى دعائم الاقتصاد والأخلاق معًا، فقال لأصحابه: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»، «اليمين منفقة للسلعة ملحقة للأجر»، «من غش فليس منا» إلى آخر الأحاديث النبوية في ذلك.

وبهذا النجاح الاقتصادي اكتفى المسلمون بما لديهم، فكان من السهل أن يستجيبوا لأمر الله إذا حرَّم الخمر كسلعة كان لها الرواج الأول في يثرب لارتباطها بالإدمان، وفي هذا ضربة اقتصادية ليهود يثرب لأنهم كانوا تجار الخمر والتمر.

اقرأ أيضًا: عاجل | الصحة تكشف مفاجآت في فيديو المشرحة المسرب لـ نيرة أشرف