الطريق
السبت 4 مايو 2024 07:49 صـ 25 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

السيدة الخالدة: هينريتا لاكس وخلايا هيلا العجيبة!

أحمد عبده
أحمد عبده

إن قصة «هينريتا لاكس Henrietta Lacks» وخلايا "هيلا HeLa" من القصص الحقيقية العجيبة التي قد لا تصدق والتي لها أهمية عظيمة علمياً وتاريخيا.

هناك رواية صدرت في عام 2010 وفيلم مبني عليها في عام 2017 من بطولة الإعلامية الشهيرة "أوبرا وينفري Oprah Winfrey" الاثنان يرويان قصة هينريتا لاكس المؤثرة من وجهة نظر الكاتبة الكبيرة "ريبيكا سكلووت Rebecca Skloot".

هنريتا لاكس

لاكس كانت سيدة أمريكية إفريقية، ولدت بولاية فيرجينيا عام 1920.

بعد أن فقدت والدتها في سن صغير، انتقلت هينريتا للعيش مع جدها بمزرعة تبغ. لقد عاشا في بيت كان يستخدم قديماً كمساكن لعبيد الأسرة.

ثم رزقت هينريتا بطفلها الأول وهي في الرابعة عشر من عمرها، لينتهي بها الأمر كأماً لخمسة أطفال. بعدها انتقلت عائلة لاكس من ولاية فيرجينيا إلى المريلاند بحثاً عن حياة أفضل.

مع الأسف لقد تم تشخيص هينريتا بسرطان عنق الرحم Cervical Cancer في الثلاثين من عمرها وتوفيت بعد عام تقريباً من تشخصيها بهذا المرض الخطير.

خلال فترة علاجها بمستشفى جونز هوبكينز، أخذ الأطباء عينتان من عنق رحمها دون موافقتها. لحماية هويتها والحفاظ عليها، تم تسجيل العينتان تحت الاسم المستعار "هيلين لين Helen Lane" والذي تم اختصاره إلى "هيلا HeLa".

إن خلايا هيلا مميزة جداً فهي تستمر في الانقسام بدون توقف مما يتيح لها الاستخدام في المعامل والمختبرات بشكل مستمر وغير محدود.

قبل اكتشاف تلك الخلايا المميزة، كانت الخلايا الطبيعية المعتادة لا تدوم أكثر من أيام قليلة بالمعمل.

قدرة خلايا هيلا المذهلة على التكاثر والتضاعف أتاحت للعلماء وقت أطول بكثير لاستكمال أبحاثهم والاستمرار بها.

لقد أتاحت خلايا هيلا أيضاً لنتائج التجارب والاختبارات أن تكون أكثر ثقة ودقة لأنها وفرت للعلماء والباحثين إمكانية جديدة وهي القدرة على إجراء الاختبارات على الخلايا نفسها في أوقات وظروف وأماكن مختلفة من العالم.

خلايا هيلا

لقد ازدادت شهرة خلايا هيلا بعد استخدامها في الأبحاث التي أدت إلى القضاء على "شلل الأطفال "Polio.

فبعد استخدامها في لقاح شلل الأطفال، بدأت خلايا هيلا أن تكون مطلباً للعديد من الباحثين على نطاق واسع من العالم. لقد تم إرسالهم في النهاية بكميات كبيرة حول العالم بعد تخصيص خط إنتاج كبير ومستمر لهذه الخلايا العجيبة الخالدة.

لقد تم استخدام خط الخلايا الخالدة هذا في العديد من الأبحاث الطبية والتجارية ليعود بمليارات الدولارات على أصحابها. إن اكتشاف تلك الخلايا و ما تلاه من استخدامات لها قد أحدث ثورة في العلم بأكمله.

خلايا هيلا

لقد تم اختبار خلايا هيلا لمعرفة تأثير الجاذبية عندما تكون صفر على الجسد البشري. كما تم استخدامهم أيضاً في حالات عديدة لاختبار حساسية البشر لمواد مختلفة.

وهناك بروتوكولات علاجية لأمراض وفيروسات عديدة مثل "الإيبولا Ebola" و "الإيدز HIV" يعود الفضل في تطويرها إلى خلايا هيلا. الآلاف من براءَات الاختراع حول العالم تتضمن استخدامات متعددة لهذا الخط العجيب من الخلايا الخالدة التي لا تفنى. ولكن على الرغم من كون هذه الخلايا مثمرة في مجال البحث العلمي إلا أنها قد عُرِفت بكونها مزعجة بعض الشيء.

فإن خلايا هيلا لديها نزعة كبيرة للتكاثر بشكل سريع جداً، مما يؤدي إلى تلوث خطوط الخلايا الأخرى بها.

لقد تم التقدير أنه حوالي 20% من سائر خطوط الخلايا الأخرى يحتوي على خلايا هيلا.

الجدل حول خط خلايا هيلا

ليست فقط الصفات المتفردة لخلايا هيلا هي التي لا تصدق، ولكن أيضاً التطورات الأخلاقية التي نتجت عن استخدامها مع الوقت. لقد كانت هينريتا لاكس أحد أحفاد العبودية الأمريكية، فهي ولدت كسليلة لكليهما "سيد المزرعة" و "عبيد المزرعة" التي تربت ونشأت بها سابقاً. لقد نشأت كسيدة بموارد مالية متواضعة، وجميع أحفادها الآن في الغالب يعملون ومن الطبقة المتوسطة. هذه المعلومات تجعل من مساهمتها في العلم – وإن كانت بدون موافقتها – مميزة وجديرة بالملاحظة فعلاً. هي أيضاً تطرح العديد من الأسئلة حول أخلاقيات الحصاد لخلايا جسدها الخاصة والاستفادة من الأرباح العائدة من توزيعها واستخدامها. ففي وقت مرضها قوانين الموافقة المسبقة لم يكن تم سنها بعد، وبالتالي لم يتم خرق أو كسر أي قوانين من أي نوع.

بغض النظر عن مليارات الدولارات التي تم كسبها كنتاج لإصابة سرطانية عدوانية متوحشة أودت بحياتها، إلا إنه لم تحصل عائلتها على مليم واحد من الأرباح الهائلة التي جنتها الشركات المستخدمة لخلايا هيلا في أبحاثها ومشاريعها. بل وإن الجينوم Genome الخاص بهم قد تم رسم خريطة كاملة به وإتاحته للعامة بكل بساطة. فقط مؤخراً تم التفاوض مع العائلة من خلال المعهد القومي للصحة National Institute of Health لجعل معلوماتهم الجينية متاحة بشكل حصري للباحثين فقط وليس للعامة. فإذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ الولايات المتحدة والانتهاكات العديدة لهذه الفئة من الأفريقيين الأمريكيين في إرث البحث العلمي للدولة، نجد أن خلايا هيلا قضية حساسة جداً وحرجة إلى الآن على الرغم من عدم وجود ممارسات أو قوانين وقائية وقتها عندما تم حصادها.

إن حساسية السلالة والبحث في الولايات المتحدة تجعل من حياة هينريتا لاكس وصية تحثنا على تطوير مجال الأخلاقيات العلمية Bioethics لحاجتنا الشديدة له. هناك أسباب عدة تجعل من الحديث حول استغلال خلايا هذه السيدة مثيراً لغضب البعض من الناحية الأخلاقية في العلم. المشكلة الأخلاقية الرئيسية في هذه الحالة هي حقيقة أن الخلايا قد تم حصادها بدون أي موافقة. مما يعني أن كل عملية بيع لخلاياها وكل تجربة تم عملها عليها منذ ذلك الحين و إلى الآن قد تمت بدون أي موافقة.

إن الموافقة المسبقة هي مفهوم قد تم تطويره جيداً بالكامل ولكن بعد وفاة هينريتا لاكس بفترة. إنها ممارسة ملزمة قانونياً في المجال العلمي والطبي والتي تتطلب أن يكون الشخص موضوع البحث على دراية كاملة بكل النشاطات البحثية المتعلقة بجسده وبالقدر المناسب لمستوى فهمه قبل إعطاء الفريق البحثي موافقته الصريحة على النشاطات المقترحة أو المطروحة أثناء التجربة. كما أن البيع لخلايا هيلا ينتهك أيضاً منطقة أخلاقية أخرى غير واضحة بما يكفي، فكما ذكرنا مسبقاً...إن عائلة لاكس لم تحصل على نصيبها في أي أرباح تم جنيها من الخلايا نفسها أو حتى من الرواية والفيلم اللذان تم بنائهما حول حياتها وقصتها ولو كتعويض يليق بما مرت به.

لقد فسر البعض أن الافتقار إلى الموافقة أو التعويض للعائلة في هذه القضية قد يعكس التفرقة العنصرية كناتج للقوى المحركة بين الباحثين البيض وعائلتها أصحاب البشرة السوداء. بمرور الوقت، مجال الأخلاقيات العلمية والبحثية قد قاد البشرية إلى سياسات ترسّم بوضوح حقوق كلاً من المرضى والباحثين المحترفين في المجال الطبي. على الرغم من هذا فإن كل هذه القوانين والسياسات التي تم وضعها لم تفعل الكثير لإرضاء التساؤلات حول قضية هينريتا لاكس وخلايا هيلا والسبب هو أن تاريخ الحالة يسبق تواريخ كل هذه السياسات.

تذكر هينريتا لاكس

على الرغم من الحدود القانونية العديدة المتواجدة في رحلة البحث عن العدالة من أجل هينريتا لاكس وعائلتها، فهناك العديد من المؤسسات والمعاهد الطبية قد أظهرت اهتمامها بقصتها العجيبة واتخذت خطوات واضحة في تكريم ذكراها الخالدة. مستشفى جونز هوبكينز Johns Hopkins Hospital على سبيل المثال وهي المستشفى التي بدأت بها الأحداث تستضيف ندوة سنوية كل عام تحت اسمها، بالإضافة لتقديم منح دراسية علمية وطبية من خلال الندوة. أيضاً نجد مدينة كمدينة بالتيمور Baltimore قد أسمت حديقة هناك على اسمها "هينريتا لاكس". أيضاً البورتريه الخاص بها يعرض بشكل شرفي في المتحف القومي للبورتيريه National Portrait Museum والمتحف القومي للثقافة الأفريقية الأمريكية National Museum of African American Culture. في عام 2017 قامت الإعلامية العالمية اوبرا وينفري بتجسيد شخصية لاكس في الفيلم السينمائي المبني على الرواية بنفس الاسم من كتابة ريبيكا سكلووت في 2010.

ربما تكون هنريتا لاكس وأحفادها لم يحصلوا على التعويض المستحق على مساهمتها العلمية التي لا تقدر بثمن ولكن أسطورتها وإرثها العظيم سيظل هنا ليبقى.

هذا بالإضافة بالطبع لدورها في إمداد العالم بعلاجات لأمراض عديدة خطيرة مثل الإيدز والإيبولا وشلل الأطفال وغيرهم من الأمراض، لقد علّمت هينريتا لاكس المجتمع العلمي دروساً هامة عديدة ستظل للأبد في آداب الخصوصية والموافقة المسبقة بل والعدالة التعويضية الشافية.

كيف سمعت عن خلايا هيلا؟

بالطبع إن شهرة خلايا هيلا العارمة في المجال العلمي والبحثي وقدرتها على التكاثر والتزايد بشكل مستمر جعل منها موضوعاً هاماً وشيقاً في مجال الخيال العلمي، وكل ما يتعلق به من روايات وأفلام وكوميكس وغيرها فقد ظهرت بصورة الخلايا الخارقة التي لا تقهر... الحل لكل وباء وكل مرض... أساس البحث العلمي في أعمال خيالية عدة... بل والبعض قال أنها جاءَت من الفضاء! أما أنا بالنسبة لي فقد عرفتها عندما كنت أعمل على ترجمة العدد الثاني من الرواية المصورة المذهلة "الروح الصاعدة Rising Spirit" بطولة شخصية الكوميكس الشهيرة "بلودشوت Bloodshot" والتي صدرت عن "فاليانت "Valiant كوميكس وهي متوفرة باللغة العربية بترجمتي فقط على موقع "كوميكس جيت ComicsGate.net"... لقد لفتت انتباهي هذه الخلايا العجيبة ورأيت أن الموضوع شيق جداً ويستحق البحث وجمع كل المعلومات الممكنة حتى أعرضه عليكم هنا ويعرفه عدد أكبر من الناس!

اقرأ أيضًا: محمد عبد الجليل يكتب: ليه عايز تشعللها يا نجيب؟!