الطريق
الأربعاء 24 أبريل 2024 03:40 صـ 15 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
الطريق تنشر في عددها الجديد: جهود الحكومة لرفع الصادرات إلى 145 مليار دولار على خطى لازمة أحمد العوضي ”أحلي ع الأحلي” لـ محسن الشامى يقترب من 100000 مشاهدة أطفال دراما رمضان للمرة الأولى في ضيافة ”الستات مايعرفوش يكدبوا” فاطمة محمد علي وبناتها بحلقة غنائية في ”معكم منى الشاذلي ” الخميس الحكومة تخصص 179 مليار جنيه استثمارات لقطاع الزراعة بموازنة العام المقبل معيط: تخصيص 134.2 مليار جنيه لدعم السلع التموينية بموازنة العام المالي المالية: تخصيص 154.5 مليار جنيه لدعم المواد البترولية العام المالي المقبل «المركزي»: ارتفاع الدين الخارجي إلى 168 مليار دولار بنهاية ديسمبر مصر تنفي تماما تداول أي حديث مع إسرائيل حول اجتياح رفح «سمير»: حريصون على تقديم كافة الدعم لتعزيز نفاذ الصادرات المصرية للأسواق الخارجية ”الزعيم الصغنن”.. محمد إمام يحتفل بمولوده الجديد الرقابة تسمح بالتعامل على أسهم الخزينة من خلال سوق الصفقات الخاصة والسوق المفتوح

أرض الغلابة يا وزير النقل!

أحمد الضبع
أحمد الضبع

نشأتُ في صعيد مصر أقصى جنوب البلاد، وعشتُ عشرات السنين وسط أهلي الطيبين، وأعلم جيدًا أنهم يحبون الأرض حبًا جمًا، فمعظم الشباب هناك كانوا يسافرون إلى دول الخليج حيث تضيع أجمل سنوات حياتهم في الغربة، لشراء بضعة قراريط، تسند ظهر الواحد في الأزمات ويعيش بقية عمره يزرعها ويقتات على خيرها.

في قريتنا الصغيرة بمركز در السلام جنوبي سوهاج يقول الناس «اللي مالوش جذر، يموت قهر» أي الذي لا يملك أرضًا يرحل عن الحياة مقهورهًا، ولما لا وقد عايشت إحساس أن تهرب من ضجيج المدينة إلى هدوء الطبيعة وتُمّتع عينيك بالخضرة البهية وتنعش رئتيك بالهواء النقي وتعود مشحونًا بطاقة تجدد في روحك الأمل والعزيمة.

دورة حياة الناس في بلاد السحر والجمال تبدأ مع أول ضوء، حيث يأخذ المزارع إفطاره الذي لا يزيد عادةً عن قطعة من الجبن القديم وفص من البصل، وأرغفة العيش الشمسي، ويحمل على كتفه فأسه متجهًا إلى الغيط، فيظل طول اليوم يعمل دون كلل، وكلما داهمه التعب يتوقف لشراب بعض الماء المعبأ في «جركن» بلاستيك مغلف بقماش الخيش المبلل للحفاظ على برودة ما بداخله، ثمّ يمسح عرقه من على جبينه بيديه ويواصل العمل، حتى أذان المغرب، فيصلي فرض الرحمن ويعود إلى بيته.

تلك العادة اليومية، جعلت المزارع يحب أرضه ويتعلق بها، ويعتمد عليها كمصدر أساسي للدخل، ورغم تواضع العائد من المحاصيل الزراعية مقارنة بالمجهود البدني الجبار الذي يبذله الرجل في حقله، فإنّ الرضا والامتنان إلى الله- عز وجل- الذي وهب تلك الجنان لعباده، يبدو جليًا على وجوه الأعزاء في الصعيد، وكأن جلال الدين الرومي كان يقصدهم حين قال «قد استبدل ثقل قدميه على الأرض بخفة جناحي القلب وشغفه وبين أرضهِ وسمائهِ تجلت له الحياة وما بعدها كَمورد ظمآن على سفر».

أحد أولئك الطيبين حدثني بالأمس مستاءً يشكو من تجمع بعض معدات البناء بجوار غيطه استعدادًا للبدء في إنشاء محور ربط دار السلام- البلينا، في سوهاج، حيث من المقرر أن يمر المحور في قلب الأراضي الزراعية، وأبلغني أنّ المهندسون صمموا الخرائط التي تُبيّن أنّ آلاف الأفندن ستتعرض للتلف نتيجة هذا المشروع، حاولتُ تهدئته وإبلاغه أنّه سيحصل على تعويض ملائم يمّكنه من شراء قطعة أرض بديلة في مكان آخر، لكنه فاجئني بأن أصحاب الأراضي لم يتلقوا أية أنباء عن التعويضات ولا يملكون رفاهية التخلي عن هذه الأرض لأنها مصدر رزقهم الوحيد.

ولعلكم تتذكرون قصة محور دار السلام حينما ذهب الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارة إلى قنا أواخر سبتمبر من العام الماضي، لافتتاح عدد من المشروعات التنموية، ضمن فاعليات «أسبوع الصعيد»، ودار الحوار الشهير بين الرئيس وأحد المقاولين الذي مازحه السيسي وأبلغه بأنه سيأخذ 25% من إجمالي تكلفة إنشاء محور دار السلام بسوهاج، على أن يتسلم باقي المبلغ عند تسليم المشروع.

قبل ذلك الحوار اللطيف بلحظات، كان المهندس كامل الوزير- وزير النقل يستعرض بالخرائط أمام الرئيس خطة إنشاء 3 محور جديد في كل من المراغة - دار السلام- دشنا، ولما وصل إلى محور دار السلام استوقفه الرئيس قائلًا: «رجع الخريطة كدا.. تسمح لي أدّخل في اللي انتوا عاملينه» مخاطبًا «الوزير» واللواء أح إيهاب الفار رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

بدا على الرئيس السيسي حينها الاهتمام وهو يقول: «بص يا كامل.. يا إيهاب انتوا الكلام ده لو تدققوه، ولو النهارده عملت كدا يا كامل هخش على الأراضي الزراعية إذا كنت أنا فاهم!»، ليرد المهندس كامل الوزير قائلًا: «يا فندم مبنعملش أي طريق أو محور في الأرض الزراعية إلا محاور النيل لأننا مضطرين لها».

المغزى من هذا الحوار الذي دار بين الرئيس وكامل الوزير يقودنا إلى أن رئيس الجمهورية يعي جيدًا خطورة التعدي على الأراضي الزراعية، وكان لديه عزيمة قوية لتعظيم الإنتاج المحلي من السلع الأساسيّة مثل القمح، الذي تعتبر مصر المستورد الأكبر له في الشرق الأوسط، إذ تستورد من روسيا وأوكرانيا 13 مليون طن ما يعادل 90% من احتياجاتها.

امتلك الرئيس حينها نظرة مستقبلية لأزمة الغذاء التي جعلت العالم الآن على شفا مجاعة بسبب حرب أوكرانيا، اعتمادا على أن موسكو وكييف يصدران ما يقرب من ثلث احتياجات العالم من الحبوب.

لكن السؤال الذي يؤرقني ويؤرق أهلي «الطيبين» في الصعيد هو: كيف يسمح المهندس كامل الوزير- وزير النقل بأن يخترق محور دار السلام آلاف الأفدنة الزراعية ويجهض آمال البسطاء الذين يعيشون على خيرها، في الوقت الذي تسابق فيه الدولة الزمن لتوفير غذاء المصريين؟ بأي منطق ننفذ أشياء الرئيس شخصيًا حذر منها!

آمل أن ينظر «الوزير» بعين الاعتبار إلى شكوى أهلنا الأعزاء في مركز دار السلام بسوهاج ويحافظ على ما تبقى من أراضي نحن في أمس الحاجة إليها، وخصوصًا وقد بلغني بأنه من الممكن تعديل مسار المحور لتفادي إتلاف الأرض الزراعية.

للتواصل مع الكاتب على فيسبوك

اقرأ أيضًا: عمرو واكد.. لا نخوة ولا أدب