الطريق
الأحد 28 أبريل 2024 04:08 مـ 19 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

سعد الدين الشاذلي.. التاريخ المنسي لصاحب «المآذن العالية» في حرب أكتوبر

سعد الدين الشاذلي
سعد الدين الشاذلي

سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي هو قائد عسكري برتبة فريق، كان قائد الجيش المصري ورئيس أركان حرب القوات المسلّحة المصرية، ويعتبر أحد القادة العسكريين البارزين الذين شاركوا في حرب أكتوبر 1973 بين مصر وإسرائيل، ويعتبر المخطط الرئيسي للهجوم على خط الدفاع الإسرائيلي "بارليف".

اختلف مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حول بعض القرارات التكتيكية في حرب أكتوبر، فهو يرى الأمور من منظور رجل عسكري متمرس في الحرب، بينما السادات ينظر إليها كخبير سياسي محنك، يراوغ من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو تحرير الأرض كاملة؛ واشتد الخلاف بينهما إلى حد حذف اسم الشاذلي وصوره من القائمة الرسمية لحرب 6 أكتوبر، لكن الرئيس السيسي أعاد له حقه التاريخي كأحد أبز أبطال الحرب المجيدة.

ولادة بطل

سعد الدين الشاذلي وُلد في قرية شبراتنا في مركز بسيون بالغربية، في دلتا النيل في الأول من أبريل 1922، كان والده الحاج الحسيني الشاذلي كاتبًا عدلاً، وكان يُعَدُّ واحدًا من الأعيان الذين يمتلكون أراضي زراعية، وأمه السيدة تفيدة الجوهري، وهي زوجة أبيه الثانية.

لسعد الدين الشاذلي تسعة إخوة من الأب وأربعة إخوة شقيقين، وقد سمى الشاذلي نسبةً إلى الزعيم سعد زغلول، قائد ثورة 1919.

عشق الشاذلي للمجال العسكري يعود إلى طفولته، خاصة عندما كان يستمع إلى حكايات بطولية من جده حول والده الذي كان ضابطًا في الجيش المصري وشارك في العديد من المعارك، معظمها كانت ملحمية مثل معركة التل الكبير في عام 1882.

خبرة السنين

التحق بالكلية الحربية في شهر فبراير من عام 1939م ووقتها كان عمره لا يتجاوز السابعة عشر من العمر، وقد كان أصغر طالب في دفعته. تخرج في يوليو من عام 1940م برتبة ملازم في قوات المشاة. في العام 1943م، تم اختياره للخدمة في الحرس الملكي، وبالإضافة إلى ذلك، شارك في الحرب العالمية الثانية قبل أن يشارك في حرب فلسطين في عام 1948م.

الشاذلي انضم إلى حركة الضباط الأحرار التي قادت ثورة يوليو 1952، ومع ذلك لم يشارك مباشرة في الثورة بسبب تواجده في إحدى الدورات التدريبية العسكرية.

بعد ذلك، أصبح قائد كتيبة المظلات 75 خلال العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وتولى مسؤولية قيادة قوة المظلات لفترة تمتد من 1954 إلى 1959.

في عام 1960، أمر الرئيس جمال عبد الناصر مصر بإرسال كتيبة مظلات إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية بقيادة العقيد الشاذلي ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام. تم ذلك استجابةً لطلب رئيس الوزراء الكونغولي باتريس إيمري لومومبا وبالتعاون مع الأمين العام السويدي داغ همرشولد، للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد ولمنع عودة بلجيكا لاحتلال الكونغو بعد حصولها على استقلالها في 30 يونيو 1960.

أغرب مناورة عسكرية في التاريخ

خلال حرب الأيام الستة في يونيو 1967، أظهر الشاذلي كفاءة عالية ووعي تكتيكي عسكري كبير بعد صدور أوامر من القيادة العامة للقوات المسحلة المصرية إلى جميع الوحدات بالانسحاب من صحراء سيناء، بسبب احتلال القوات الجوية الإسرائيلية لسماء المنطقة.

وضع الشاذلي خطة مختلفة وانتقل شرق سيناء نحو صحراء النقب الفلسطينية عبر طرق ضيقة، في حين كانت باقي القوات المصرية تتجه غربًا. واختار الشاذلي الموقع الذي يمر خلف معظم خطوط الدفاع العدو لحماية قواته من قصف الطيران الإسرائيلي، وبقي هناك لمدة يومين، 6 و7 يونيو 1967 حتى تواصل مع القيادة المصرية التي أمرته بالانسحاب فورًا غرب قناة السويس.

نفذ أصعب مناورة عرفها تاريخ المواجهة بين مصر وإسرائيل، إذ أمر قواته بالانسحاب في وقت متأخر من الليل دون أي دعم جوي أو معلومات استخباراتية.

عبور قوات الشاذلي

عندما طلعت الشمس في اليوم التالي، رصدت الطائرات الإسرائيلية القوات المصرية بقيادة الشاذلي وشنت هجومًا عليها. بسبب نقصها في الأسلحة المضادة للطائرات، لم تكن قوات الشاذلي قادرة على الرد إلا بواسطة الرشاشات والأسلحة الخفيفة.

وعلى هذا النحو، تكبدت القوات خسائرًا تتراوح بين 10% و20%، ولكنها في نفس الوقت تمكنت من تجنب القوات البرية الإسرائيلية حتى تمكنت من الوصول إلى قناة السويس. وأصبح الشاذلي آخر قائد مصري عبر من شرق إلى غرب القناة وقت الحرب.

بعد هذا الإنجاز، حصل الشاذلي على احترام كبير داخل الجيش المصري، وتقدم في الرتب حتى تولى منصب رئيس الأركان. وفي عام 1970، عينه الرئيس جمال عبد الناصر قائدًا للمنطقة العسكرية البحرية في البحر الأحمر بعد الهجمات وعمليات الاختطاف اليومية التي كان يتعرض لها المدنيون وتدمير المنشآت على سواحل البحر الأحمر التي كانت تنفذها القوات الإسرائيلية، خاصة بعد حادثة الزعفرانة في التاسع من سبتمبر 1969.

الشاذلي وعبد الناصر

حينما أذاق الشاذلي المُر لإسرائيل

قرر جمال عبد الناصر، بعد ذلك أن اللواء الشاذلي كان الشخص المثالي الذي يمكنه وقف تقدم إسرائيل في المنطقة، وبالفعل نجح في تقليل عمليات الاعتداء الإسرائيلية.

في 22 يناير 1970، نجح اللواء الشاذلي في دحر هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلية التي هدفت إلى استولاء جزيرة شدوان الصخرية في البحر الأحمر بالقرب من مدخل خليج السويس. قامت قوات الاحتلال بقصف الجزيرة جويًا، ثم أنزلت الجنود بواسطة المروحيات.

شن اللواء الشاذلي هجوما على الجزيرة وطلب المساعدة من عدد من سكان المحافظة، ونقل الجنود والمعدات إلى الجزيرة في الظلام، وتمكن من تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.

سعد الدين الشاذلي

بعد وفاة جمال عبد الناصر وصعود أنور السادات إلى سدة الحكم، تم تعيين الشاذلي رئيسًا لأركان القوات المسلحة في 16 مايو 1971 نظرًا لكفاءته وتجربته العسكرية الطويلة، وأيضًا لمعرفته الواسعة بالعلوم العسكرية التي اكتسبها من دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.

المآذن العالية

وضع الشاذلي خطة "المآذن العالية" في شهر أغسطس من العام 1971 بهدف مهاجمة القوات الإسرائيلية واقتحام قناة السويس، وذلك عن طريق تدمير الخط الدفاعي البارليف الذي بنته إسرائيل بعد احتلالها لسيناء خلال حرب عام 1967. تهدف الخطة إلى تأمين الضفة الغربية لقناة السويس ومنع أي قوات مصرية من العبور إلى تلك المنطقة.

وتركزت خطة "المآذن العالية" للشاذلي على نقاط ضعف القوات الإسرائيلية، التي تتجلى في عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية بسبب العدد المحدود لجنودها، بالإضافة إلى طول مدة الحرب؛ حيث كانت إسرائيل تعتمد دائمًا على حروب سريعة تنتهي في غضون أسابيع قليلة، خوفًا من تأثر وضعها الاقتصادي والاجتماعي.

الشاذلي والسادات

كانت هذه الخطة تهدف إلى تجريد إسرائيل من أهم مزاياها العسكرية، وهي الهجوم عبر الجبهات من خلال نشر القوات المصرية على السواحل الشمالية للبحر الأبيض المتوسط وجنوب خليج السويس، في حين لا يمكن للقوات الإسرائيلية الهجوم من الخلف بسبب وجود قناة السويس، وبالتالي الاقتصار على الهجوم من الأمام، مما يتسبب في تكبدها خسائر كبيرة.

خطة المآذن العالية

نصر أكتوبر 1973

بعد أن احتلت إسرائيل منطقة سيناء بعد حرب عام 1967، قامت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي ببناء خط دفاعي يسمى "خط بارليف" بهدف منع القوات المصرية من العبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس. ثم تعزيز هذا الخط بعدة حصون على الضفة الشرقية للقناة، التي تفرق بين جيش الاحتلال والجيش المصري.

وأقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي حاجزًا رمليًا بارتفاع 17 مترًا على شواطئ القناة لمنع الجيش المصري من محاولة عبور القناة.

لكسر هذا الجبهة، قادت القوات المسلحة هجوماً في السادس من أكتوبر 1973، بقيادة اللواء الشاذلي، حيث قامت 200 طائرة مصرية بتحليق منخفض فوق القناة، وتوجهت إلى عمق سيناء واستهدفت القوات الإسرائيلية الرئيسية، وفي نفس الوقت قامت وحدات من سلاح المدفعية بقصف شديد على حصون "بارليف" وحقول الألغام.

خط بارليف

وبهذه الطريقة، تمكنت المجموعة الأولى المكونة من 4 آلاف جندي من عبور قناة السويس، وفتح ما يقرب من 70 ممرًا عبر الحاجز الرملي باستخدام مضخات المياه ذات الضغط العالي. تبعتها مجموعة المشاة التي عبرت بدورها القناة واستولت على معظم النقاط والحصون القوية للخط "بارليف".

في اليوم الثاني (7 أكتوبر)، تم وضع 5 جسور فوق القناة، وبدأت الفرق المدرعة في اجتياز القناة باتجاه سيناء.

وفي اليوم الثامن من شهر أكتوبر، لم تنجح الهجمات النقلية الإسرائيلية في تراجع المصريين، وحاولت إسرائيل من جديد في التاسع من أكتوبر، ولكنها تكبدت خسائر كبيرة مرة أخرى، إذ فقدت في يومين أكثر من 260 دبابة و30 طائرة، بالإضافة إلى الآلاف من القتلى.

رفع علم مصر على سيناء

توفي الفريق سعد محمد الحسيني الشاذلي يوم الخميس 10 فبراير 2011 في المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة بالقاهرة بعد معاناة طويلة مع المرض. وكان عمره 89 عامًا.