الطريق
الخميس 25 أبريل 2024 09:30 صـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
42 حزب سياسي يقررون دراسة الأثر التشريعي لتعديلات قانون المرور وتشديد الغرامه الماليه محمد عبدالجليل: مهمة الزمالك صعبة في غانا.. ودريمز فريق عشوائي كرونسلاف يورتشيتش يعبر عن سعادته عقب بيراميدز على البنك الأهلي في دوري نايل بشير التابعي للطريق: الأهلي راح الكونغو ”مكسح” ومازيمبي فرقة فاضية أوس اوس من أجل فيلم ”عصابة مكس” في الفيوم هذا ماقالتة هنا الزاهد للجمهور عاجل.. ”كاف” يرد الاعتبار ويصدر قرار صارم بشأن أزمة نهضة بركان واتحاد العاصمة في بيان رسمي لبلبة تستكمل مشاهدها في فيلم ” عصابة مكس” الأرصاد تحذر من رياح مثيرة للرمال والأتربة تصيب القاهرة الكبرى غدًا ياسر إبراهيم: نتيجة مباراة الذهاب أمام مازيمبي الكونغولي خادعة و اللاعبين لديهم خبرات لغلق صفحة مباراة الذهاب محافظ الغربية يتابع الاستعدادات النهائية لبدء تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء سكرتارية المرأة بـ ”عمال مصر” تهنئ الرئيس السيسي والقوات المسلحة بالذكرى 42 لتحرير سيناء

زينة وفوانيس

عمرو عز الدين
عمرو عز الدين

• 23 أبريل 2020: باب المنزل يدق، أفتحه محملقا بحذر في 3 أوغاد صغار منكوشي الشعر ينظرون لي بنظرات شيطانية. يدي الممسكة بالمكنسة وراء الباب تفلتها ببطء، لم يكن الطارق قاتلا محترفا كما توقعت.

بعد تبادل النظرات التي تعكس كراهيتنا لبعضنا البعض قال أحدهم: عمو هات فلوس الزينة! وبغض النظر عن "عمو"، فقد صنعت كلماتهم موجات من الفلاش باك، الأولى ألقت بي قبل سنتين حين كنت عائدا من عملي بعد نهاية يوم طويل مُرهق، وعند وصولي لطابق سكني خرجت من مصعد العمارة، ثم فوجئت بصبيين -يختلفان عن الأوغاد الثلاثة- يقفان أمام باب بيتي، قبل أن يتهلل وجه أحدهما وهو يلتفت لي صائحا: "أهو وصل". اندهشت من انتظارهما لي، ثم قال أكبرهما: "عايزين فلوس زينة رمضان".

*****

الموجة الثانية من الفلاش باك ألقت بي بعيدا جدا

*****

حين كنت صبيا في منتصف التسعينات، اعتدت وأصدقائي من جيران الشارع الصغير في حي محرم بك الشهير بالإسكندرية، على التجمع قبل بدء شهر رمضان بوقت قصير لوضع خطة تزيين الشارع لاستقبال الشهر الكريم. وهي خطة تعتمد على 3 مراحل أساسية: «جمع الأموال - شراء الزينة ولوازمها - تزيين الشارع».

ننقسم إلى عدة مجموعات، تتولى كل منها تنفيذ مرحلة من مراحل الخطة الثلاث، وكانت تفاصيل تنفيذ هذه المراحل هي ما تصنع البهجة والسعادة لنا ولكل سكان الشارع.

نبدأ في طرق الأبواب في خجل مبتسمين في وجوه الجيران: "عايزين فلوس زينة رمضان كل سنة وانتم طيبين".

هذا ضابط الجيش الذي يتطلع له أطفال الشارع بافتتان كلما رأوه في بدلته الميري، يخرج إلينا بملابس المنزل ضاحكا ويمنحنا النقود مشجعا إيانا.

هذه السيدة التي تُعد أما لنا جميعا، تُخرج النقود من "بُوك" صغير وتبادلنا التهاني: "كل سنة وأنتم طيبين يا ولاد"، ثم تعزمنا على الفطار مقدما وتوصي كل منا بتوصيل السلام لأمه.

عم أحمد عمدة الشارع، الذي لا تفوته شاردة ولا واردة، يمنحنا المال ويسألنا من أين سنشتري الزينة ثم يصف لنا المحلات الأكثر جودة، وغالبا ما يساهم بنفسه في عمل الزينة فيما بعد، كأي زعيم وطني يحاول بث الحماس في عروق الشعب.

أما في تلك البناية ذات الطراز المعماري القديم، كنا نطرق أحد الأبواب بتردد، تفتح لنا السيدة إحسان زوجة الأستاذ ويليام، تبتسم في وجوهنا ونسألها النقود للزينة، تلمع عيناها وتبتسم بدورها قبل أن تغيب قليلا وتعود بورقة مالية قائلة: "كل سنة وأنتم طيبين"، ثم تتسع ابتسامتها ممازحة إيانا: "هتصوموا ولا زي كل سنة؟".

*****

«الشرائط الملونة والأخشاب الرفيعة والورق السوليفان الشفاف بألوانه المختلفة والأسلاك الكهربائية المجدولة والمصابيح الملونة الكبيرة والصغيرة» هذه هي الغنيمة التي كنا نبتاعها بما جمعناه من أموال، يذهب بعضها إلى محلات الكهرباء والمكتبات في شارعنا أو الشوارع المجاورة.

بمجرد امتلاك هذه الغنيمة بين أيدينا، ننطلق في أداء المهمة الأعظم والأسمى وهي تزيين الشارع.

خلية نحل يعمل بعضها على إنتاج الفانوس الكبير الذي سيُعلق في منتصف الشارع، على رأسهم عم يوسف الكهربائي.

يمسك بالأسلاك والمصابيح وشرائط اللصق "شيكرتون" فيقص ويلصق ويوصل ويجرب ويفك ويربط والأهم أنه لا يخشى الكهرباء، بينما نراقبه في انبهار وعيوننا تراه تسلا منطقة محرم بك، ولن أندهش لو كان يحاول إحياء الموتى باستخدام الصواعق في قبو محله.

البعض الآخر يعمل على إنتاج الشرائط الملونة الطويلة وما سيزينها من أوراق لامعة، فيما بعد ستُحدث صوتا كلما مر الهواء من خلالها وهي تتأرجح بين النوافذ والبلكونات.

نعود من جديد للبيوت، فيسمح لنا أهل كل بيت بالدخول و"الشعلقة" في البلكونات المختلفة لتوصيل الزينة والمصابيح.

منا من كان ينتهز الفرصة لدخول بيت بنت الجيران فقط ليشعر بالفرحة لمجرد وجوده في منزلها حتى لو كان أباها هو المرافق له طول رحلته في بلد المحبوب.

كل بيت دخلناه كان مألوفا لنا، لأن كل من فيه هم عائلات كل أطفال وصبية الشارع بشكل أو بآخر، ما عدا ذلك البيت قرب نهاية الشارع، المنطقة التي لا نذهب لها كثيرا ولا يخرج منها صبية آخرين.

طرقنا الباب وانتظرنا، ففتح لنا المهندس حنا (أعتقد أن اسمه ليس كذلك لكنها الذاكرة اللعينة)، بدا الارتباك على وجهه قليلا عندما طلبنا إذنه بالدخول لتعليق الزينة عبر بلكونته، لم نفهم لماذا ارتبك إلا عندما أفسح لنا الطريق ودخلنا.

في الداخل كان أهل بيته يستقبلون عريسا لابنتهم التي نسيت اسمها هي أيضا.

ارتبكنا بدورنا وكدنا ننسحب إلا أن الأم أصرت أن ندخل، تبادلنا التهاني ورحّب أهل العريس بنا كأننا من "بقية أسرة العروس" وتمنينا لهم التوفيق، وحين انتهينا من تعليق الزينة ودون أن نغادر البلكونة سمعنا زغرودة الأم الطويلة.

*****

زينة رمضان كانت جزء من وجداننا، مهمة تناوب على القيام بها كل جيل من أجيال شارعنا القديم، بل وكل أجيال الشوارع الأخرى، منها شارعي الحالي البعيد كل البعد عن مدينة مولدي وصباي وشبابي، هذا ما تأكدت منه عندما قابلني الصبيان أمام باب منزلي منذ عامين، وعندما طرق الأوغاد الصغار بابي اليوم.

طافت الذكريات كثيرا في ذهني قبل أن أمنحهما النقود مبتسما، قائلا: كل سنة وأنتم طيبين ورمضان كريم.