الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 09:42 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الدراما الناقصة

طارق سعد
طارق سعد

لا شك أن الدراما هي العنصر الفعال الأول فى كل الفنون، متفوقة على السينما والمسرح، وذلك لأنها الوحيدة التى تملك القدرة على التوغل إلى البيوت بلا أي مجهود، بعكس الفنون الأخرى التى تذهب إليها بنفسك لمشاهدتها، وهو ما يجعل لها جمهوراً خاصاً باسمها.

الدراما أيضاً هي الأقرب للجمهور، فمن خلال الموضوعات التى تتناولها أعمالها تعكس بشكل كبير تفاصيل الحياة الاجتماعية بحلوها ومرها ومشكلاتها وقضاياها، فيجد فيها المشاهد نفسه ويتعامل معها بشكل أعمق، ويتأثر بها تأثراً قد يمتد لفترات طويلة بعد نهايتها بقدر تعايشه معها.

من أفضل القرارات التى اتخذها صناع القرار، بل أهمها، كان تطوير المحتوى الدرامي وتهذيبه، وهو ما حقق نجاحاً ملحوظاً بإعادة الشكل الدرامي بشكل كبير إلى المنطقة الاجتماعية، والتى تعكس صورة المجتمع بلا تشويه، لتستعيد الدراما قوتها وتماسكها من جديد حفاظاً على سلامة المجتمع، وقد لاقت النتائج قبولاً وإشادة بالتنفيذ الحقيقي.

ورغم القرارات الصحيحة الحاسمة التى أتت بثمارها، إلا أن صناع الدراما لم ينتبهوا ولم يلتفتوا لأنهم مازالوا يصنعون "الدراما الناقصة"، فاعتبار الفن أحد الأسلحة المهمة للقوة الناعمة لا بد أن يكون على قدر هذا الاعتبار، وأن يقوم بدوره كاملاً فى دعم الدولة وإبراز التطويرات والإنجازات فى السياق الدرامي.

من الذكاء فى تحسين صورة الدراما التى هى انعكاس للمجتمع، أن تكون هناك مشاهد للمدن الجديدة التى شيدتها الدولة كبدائل للعشوائيات فى قلب الأحداث، أين الأسمرات وتل العقارب وغيط العنب وغيرها من الحياة الآدمية الجديدة التى وفرتها الدولة لأهالى العشوائيات؟

لماذا لا يتم استثمار هذه الواجهة الحضارية وتوظيفها درامياً، ليرى العدو قبل الحبيب والغريب قبل القريب هذه الإنجازات كواقع ملموس، ويتعايشون معها بعد أن ظلت العشوائيات بتفاصيلها بكل قبحها لسنوات طويلة واجهة يصدرها صناع الأعمال عمداً وجهلاً بشكل مركز ومستفز للمشاهد فى الخارج والداخل، بما يشوه صورة الحياة فى المجتمع المصري؟!

الأمر ليس اختراعاً ولا يحتاج إلا للفكر والحنكة، ولا يستلزم قرارات عليا، فقط يحتاج لمواكبة التطوير وتوظيفه لتقديم دراما كاملة متكاملة، لا أن نظل فى سكون عند نقطة متخلفة عن القطار الذى انطلق وقطع مسافات طويلة وما زلنا نحن نلهو على القضبان!

من زاوية أخرى، عندما يشاهد أهالى العشوائيات سابقاً حياتهم الآدمية الجديدة على الشاشة فى سياق الدراما، سيزرع بداخلهم مزيد من الانتماء والارتباط بهذه الحياة، والحرص عليها بكل تفاصيلها، مما سيزيد من الارتقاء بسلوكياتهم نابعاً من دوافع داخلية ارتبطت بانخراطهم فى المجتمع كجزء متحضر منه بشكل أكثر فعالية، بعدما كانوا يشاهدونها فقط على الشاشة.

تطوير الدراما الذى نجح صناع القرار فى البدء فيه، يحتاج فى المقابل تطوير فى أدمغة وأفكار صناع الدراما من مؤلفين ومخرجين، بعد أن انكشف ما أصابهم من فقر وجمود لا يتماشى نهائياً مع الإمكانيات الهائلة المتوفرة للصناعة، وأصبحت القوالب سيدة الموقف، حتى أنك ترى نفس الـ "لوكيشن" فى أكثر من مسلسل مما يثير السخرية وفى المقابل الأمر "عادي عادي عادي عادي .. عادي أهو"!

الحقيقة التى يجب تفهمها أن المرحلة الحالية والمقبلة لا تتحمل الـ "نحت" والقص واللزق، بل تحتاج فكرا حقيقيا ومسئولية تقدم دراما كاملة بدلاً من اللف والدوران فى حلقة مفرغة من "الدراما الناقصة".