الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 06:48 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

كلاب المدينة

طارق سعد
طارق سعد

منذ زمن بعيد وانشغل بال الكثير والكثير بفكرة المدينة الفاضلة، الفكرة التى لاقت قبولاً وشغفاً لتحقيقها رغم أنها مجرد فكرة من الخيال، إلا أن هذا الحلم تسبح فيه كثير من العقول كنوع من أنواع التمرد على الواقع والهروب من قسوته، أو بغرض خبيث أحياناً.

"يوتوبيا".. المدينة الفاضلة التى لا يأتيها الـ "شمال" من أي جانب، فالمثالية شعارها الحاكم، وكل من فيها يطبقون قانونها ويسبحون فى نعيمها، ففي هذه المدينة "كله بالمازورة".

تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع مستحيل، فلن تنشأ مدينة تحتضنها أرض وتضللها سماء بهذا الشكل، ولن تجتمع نفوس بشرية على أداء واحد، فهو الأكثر استحالة، ولكن الحلم ما يزال يتلاعب بالأدمغة ويطلب السيطرة ليبحث هؤلاء عن مخرج من هذا المأزق.

"الفكرة لا تموت"، وهو ما اعتمد عليه هؤلاء كممر آمن للهروب إلى المدينة الفاضلة، فإن كان الواقع لا يتحملها فلتستمر فكرة في عالم موازٍ تجذب مريديها ويساهمون فى نشرها، لتجتذب أكثر وتبقى أكثر انتشارا، حتى تفرض واقعاً غير ملموس تدين له السيطرة ويحكم بقوانينه، ويرهب بها أيضاً.

كان مهماً لدى هؤلاء عند تشييدهم لمدينتهم الفاضلة أن يوفروا لها الحماية الكاملة، فهي حق كامل لا يشوبه أي باطل، ودون ذلك قد خرج عن قانونها ويستحق الهلاك، فلا مانع من صبغة دينية تجعلها أكثر لمعاناً، فهناك لاستغلال كل الكروت إباحية كاملة لتحقيق الهدف وحمايته، تحرسه كلاب مدربة على أعلى مستوى، تحمي المدينة وتنبح على من لا يتبعونها وتنهش فى لحمهم وعرضهم بلا رحمة.

كلاب محقونة ببلازما الغل والحقد والانتقام، بلازما سُعار مُهجن "تهبش" بلا تفكير، تحركها وتوجهها بالسيطرة فكرة فى عالم موازٍ لمدينة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، واجهتها الملائكة ومالكها الحقيقي هو الشيطان، فتكتشف أن مشيدي هذه المدينة هم كلابها الذين حولوا معهم بلا وعي شعب هذه المدينة لكلابها الأوفياء، لنبقى فى مواجهة "كلاب المدينة".

لم تكن وفاة الفنانة "رجاء الجداوي" مجرد رحيل عن عالمنا، ولكنها كشفت لنا عالم آخر أُطلقت منه الكلاب المسعورة بأسنان مسمومة قادمة من هناك، من المدينة الفاضلة المزعومة تنهش في الفقيدة متسترة باسم الدين، تصفها بأقذر الأوصاف وأحطها بل وتشمت فى وفاتها وتنتظر من سيأتي بعدها!

ربما تكون "رجاء الجداوي" حالة خاصة جداً فى الوسط الفني، لا يشبهها أحد سواء فى حياتها أو في وفاتها، فما قدمته طوال مشوارها لا تجد فيه ما يشينها، وفي وفاتها هي الأولى والوحيدة من الوسط الفني حتى الآن التى أنهى فيروس "كورونا" رحلتها فى الحياة، وما بينهما كان نقاءً وعشقاً متبادلاً مع الجمهور السوي، أما الإرهابيون الجدد يختبئون فى أوكارهم، يخرجون مرة يعايرونها بكبر سنها وكيف تحتفل بعيد ميلادها، ثم يعودون ليرفضوا علاجها من الفيروس بحجة أن هناك الأولى منها، ثم يخرجون يهللون لوفاتها وكأنهم أخرجوا الكفار من مكة، كلاب مسعورة تنبح هنا وهناك، وتنهش بوحشية، تهاجم بها أيضاً كل من يرفضون هذا الشذوذ، نعم شذوذ، فالشذوذ ليس جنسياً فقط ولكن هناك شذوذ فكري، وتحرش فكري أيضاً.

أما التحرش الفكري فأبطاله هم من نسبوا أسباب التحرش الجنسي لملابس الفتاة فقط وحملوها المسئولية كاملة، رغم أنه جزء صغير منها، وأغفلوا الحقيقة أنها أزمة تربية وتعليم وأننا طبقنا التباعد الاجتماعي مبكراً بالتباعد عن الأخلاق، وجودة التعليم الذى أصبح منجماً للدروس الخصوصية والملخصات بلا محتوى ولا تعليم، ومعه تجميل صورة المتحرش فى الأعمال الفنية فيظهر أنه "الواد الشبح الجامد" الذي يستنفر الأنوثة، فكانت الإطاحة بكل الأعمدة الأخلاقية للمجتمع وعلى رأسها عمود الدين!

يأتى الدين أيضا كفريسة لـ "كلاب المدينة" التى أخذته ساتراً للتحليل والتحريم بما يتناسب مع أغراضهم فقط ويحميها، فلا مانع من ظهور نوعية جديدة من الشيوخ المودرن من نوعية "الشيخ زعبولة"، وهي النوعية التى تعلق لافتة الدين وتمارس به البلطجة وتعتمد باسمه تشويه الحقائق رسمياً بلي ذراع المعاني والتفاسير، عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والتطاول و"قلة الأدب" والمؤسف أن منهم من يرتدي عباءة الأزهر بالدراسة وليس الانتساب، ليأتى السؤال إلى المؤسسة الدينية الأعرق..

ما هو معيار المشيخة التى تمنح لهذا الـ "زعبولة" ليمارس بها الفجور الفكري ويصبح عبئاً على المؤسسة بل على الدين كله بعد تشويهه؟!

كيف يترك هذا الـ "زعبولة" حتى يصبح له مريدين يطلقهم لينشهوا معارضيه فى سُعار لا يمت للدين بصلة؟

الحقيقة أنها ليست مجرد فكرة حالمة ولا بحث عن المدينة الفاضلة، بل هي منظومة متكاملة شديدة الاحتراف تعي ما تفعله تماماً، ولها رجالها الأوفياء الذين يساهمون فى التخريب بكل أشكاله وعلى جميع الجبهات، هؤلاء الذين تم إطلاقهم ككلاب مدربة للمساعدة فى تنفيذ المخططات الكبرى السامية للسيطرة وتحقيق هدفهم المنشود.

نحن لسنا أمام بوابات المدينة الفاضلة، ولكننا أمام مدينة الشيطان الذي يحرك حراسها لنبقى فقط أمام..

"كلاب المدينة".