الطريق
الخميس 18 أبريل 2024 04:49 مـ 9 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

قائمة المفقودين

طارق سعد
طارق سعد

ليس هناك إحساس موجع أقوى وأقسى من إحساس الفقد، فكرة ابتعاد شخص قريب منك فى حد ذاتها مؤلمة، فما بالك بابتعاده عن الحياة كلها؟

الإحساس بالفقد يولد مجموعة أحاسيس أخرى بشكل تلقائي ودراماتيكي أيضاً، أهمها البحث عن مدى تقديرك للفقيد، هل قمت بتقديره كما يجب؟ هل أعطيته حقه بما يناسبه فى حياته؟ هل رحل راضياً آخذاً ما يستحق؟ وعشرات الـ "هل" تنغص عليك أفكارك وتؤنب ضميرك وقد تغير حياتك، أو تصبح مجرد "فقاعة" تنتهي مع دوران طاحونة الحياة!

المؤسف أنه مع كل رحيل لنجم كبير تتناثر الدموع فى كل الاتجاهات، ويعلو النحيب وينطلق قطار الذكريات يستعرض مختلف المحطات، دون الانتباه إلى أنه رحل ولن يرى كل هذا الحب والتقدير ويستمتع به، بل كان يحتاجه في وجوده وسط زملاءه وجمهوره وأحباءه يشعر بقيمته وقيمة ما قدمه طوال مشواره.

في كل مرة يرحل فنان أو فنانة من الكبار، نقف لحظة لنكتشف أنه لم يهتم أحد بتكريمه "على حياة عينه"، وهو أمر معنوي أثره كبير على الفنان، خاصة بعد وصوله لسن متقدم قد لا يستطيع فيه المزيد من العطاء، وأحياناً تجد أن الرحيل سبقه تكريم "على الحركرك" أو بالصدفة، لمجرد استكمال صورة مهرجان ما أو حفل ما، وهو أمر لا يليق أبداً بنجوم صنعوا التاريخ الفني المصري، وقدموا كل إبداعهم بـ "ملاليم"، في مقارنة بـ "ملايين" يحصل عليها نجوم هذه المرحلة ومنهم من لا يستحق إلا أصفارها.

فيكفي هؤلاء النجوم الكبار تراجع مساحات أدوارهم فى الأعمال الفنية، وتراجع مشاركاتهم فى أوقات أخرى، فيتراجع العائد المادي والمعنوي أيضاً، وأمام ذلك يحتاج النجم أن يشعر بقيمته وتاريخه، وليس كونه أصبح مجرد صورة من الماضي أو كمالة عدد.

يجب أن يكون هناك فكر وتخطيط لتكريم النجوم الكبار تكريماً حقيقياً يوازي ما قدموه وأثروا به الحياة الفنية، تكريماً يليق بأسماء لها حجمها وجماهيريتها، لا أن ننتظر حتى خبر الوفاة ثم تنطلق تكريمات حفلات التأبين أو إهداء دورة مهرجان لاسم الراحل أو الراحلة، هل من عاقل رشيد يعقل أهمية وفائدة هذه الأفعال الروتينية لشخص أصبح فى عالم آخر إلا حفظ ماء الوجه لهؤلاء الذين نسوا تكريمه فى حياته؟!

تتذكر الجميلة الراقية "رجاء الجدواي"، فتشعر ببهجة غرستها فى وجدان جمهورها طوال مشوارها، وتكتشف أنها لم يتم تقديرها بما يليق بمكانتها، وأن الوحيد الذي انتبه لمكانة هذه السيدة التى لا ينافسها أحد هو رئيس الجمهورية بنفسه، ليصبح أعلى تقدير وتكريم يناسب عطائها، تستحقه تماماً ولولاه لكانت رحلت دون أن ترى أي تقدير رغم كل الحب الجارف لها.

لا ننسى كلمات نجم بحجم الراحل "حسن حسني" عند تكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائي، عندما قال مازحا إنه يحمد الله على تكريمه في حياته، وأنهم "لحقوا يكرموه وهو عايش"، ليرى هذا التكريم وأن هناك من يتذكره.

كلمات مؤلمة تعكس الحالة التي يعيشها نجوم كبار يشاهدون مسرحاً كبيراً يجري ويقفز ويرقص عليه كثيرون، دون أن يلمحوا لأنفسهم وجوداً بين هؤلاء، فيشعرون بغصة آفة النسيان، وأحياناً الجحود، لتصبح محطة نفاذ الرصيد هي محطة الألم الحقيقي الذي قد يكون سبباً من أسباب الرحيل.

وجع الفقد مؤلم وقائمة المفقودين أصبحت تضم أسماء لامعة "نور الشريف – محمود عبد العزيز – حسن حسني – رجاء الجداوي – فاروق الفيشاوي – شويكار) وغيرهم، وما زال القوس مفتوحا،ً وما زالت القائمة تحت الطلب، وما زلنا لا نفيق إلا بضربة قوية على رؤوسنا ولكن بعد فوات الأوان!

هناك من النجوم ما زالوا يضيئون حولنا يستحقون التقدير، يستحقون أن يعيشوا لحظاته ويشعرون بدفئها، يجب وضع سياسة خاصة بتقدير كبار النجوم تليق بهم وبنقاباتهم، وهو ما أصبح واجباً على رأس كل نقابة، فكل نقيب يمتلك كشوفاً بكباره يستطيع أن يحصرهم ويقدم لهم التقدير المناسب بشكل مناسب، وفق خطة متكاملة لها ملامح وقواعد بعيداً عن العشوائية و"سد الخانة".

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فعلى النجوم الكبار فى حياتهم إقرار ما إذا كانوا يوافقون على إنتاج أعمالاً فنية تجسد تاريخ حياتهم أو لا، حتى نتجنب "مرمطة" سيَر الفنانين بعد رحيلهم، وتشويههم بصراعات جانبية على الفوز بتجسيد شخصياتهم.

إلى من يهمه الأمر....

اهتموا بالكبار ليعتبر الصغار، حافظوا على الرموز وامنحوهم التقدير، احقنوهم بالسعادة يزيد الانتماء والولاء، انشروا الحب والخير، اصنعوا صورة يتباهى بها الأجيال ليتعلموا منها معنى الوفاء.