الطريق
السبت 20 أبريل 2024 07:55 صـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

المايسترو ماجدة زكي

طارق سعد
طارق سعد

قليلات من النجمات اللاتي تستطعن أن تملأن أماكنهن بأدوار تجمع المشاهدين حولهن في انصهار تام، ولكن نادرات من تستطعن أنت تخطي أدوارهن لتملأن بإبداعهن مساحات أخرى أبعد مما تتصور.

"ماجدة زكي" أحد أهم رموز الطاقات الفنية المتفجرة، والتي يمكن أن تكتشف بلا حرج أن هذه الطاقات لم تستغل كاملة حتى الآن، وقد أكد هذا الكشف إعادة اكتشافها من جديد عندما تحولت بقدرة قادر من "ماجدة زكي" إلى "قوت القلوب"، بالشكل الذي يجعلك لا تستطيع الفصل بينهما، فـ "قوت" هي "ماجدة" و "ماجدة" هي "قوت"، في أداء عبقري من أكاديمية السهل الممتنع بقيادة المخرج المحنك "مجدي أبو عميرة" والمميز بإعادة تقديم النجوم بشكل مختلف وكأنك تراهم لأول مرة.

هذا ما حدث بالفعل مع "قوت القلوب" وعودة للأم البسيطة التي تجمع الكل حولها بطيبتها ونقاءها وتضحياتها، في توليفة شعبية تفوح رائحتها من الشاشة وأنت تشاهدها، وتزداد مع زيادة سخونة الصراع بين مبادئها وشياطين الحياة الذين يحاولون كسرها، ولكنها تظل صامدة متمسكة بمبادئها التي تمثل الفطرة والطبيعة والجذور الممتدة في باطن الأرض المصرية، بإحساس الأم المصرية البسيطة بفطرتها وسماحتها وقلبها الذي يتسع الجميع حتى أعداءها.

ربما الظاهر أنه دورها وأدته فنياً "زي الكتاب ما بيقول"، ولكن الحقيقة أنها احتضنته وقفزت به بعيداً في الخلاء الكبير الذي تركته الراحلة "كريمة مختار"، وأصبح مكاناً شديد الفقر في غيابها، فلم تستطع أية نجمة مجرد الاقتراب من هذه المنطقة وليس شغلها، حتى تواجدت نجمة بحجم "عبلة كامل" كان بمواصفتها الخاصة فذهب لركن مختلف تؤدي فيه من شخصيتها، إلا أن كبر حجم الراحلة "كريمة مختار" فنياً طغى بالصعوبة على أدوار الأم المصرية البسيطة وأغلقها بشفرة و"باسوورد"، لم تستطع فك طلاسمهم إلا القديرة "ماجدة زكي".

الحقيقة أن ملعب الأم المصرية الأصيلة يحتاج لمواصفات خاصة جداً، فالشكل يجب أن يكون قريباً من البيوت المصرية والروح أيضاً وهذا ما يظهر على الشاشة ولكن الأهم أن يصدقها الجمهور خارج الشاشة وهو تماماً ما نجحت فيه "ماجدة زكي" على مدار مشوارها في أن تظهر بطبيعتها وتُطبع الدور الفني عليها وهو ما جعل روح "ماجدة" موجودة دائماً في كل أدوارها لتخرجها من مجرد أدوار مكتوبة على الورق إلى شخصيات تشعر بوجودها في حياتك مهما كانت أبعادها وهي عبقرية "ماجدة زكي" الغير منتبه لها!

قذفت "الست قوت" بـ "ماجدة زكي" إلى القمة فجأة دون مقدمات رغم تفوقها على نفسها في كل أدوارها ببصمتها الخاصة إلا أن هذه المرة أوجه الاختلاف كثيرة وكل الكروت لعبت لصالحها وأول هذه الكروت هو المناخ العام للمسلسل واشتياق المشاهد للأعمال الشعبية من قلب المجتمع وأحداثه بشكل بسيط غير مفتعل ولا تحمل صورته بذخاً غير مبرراً يفصله عن حياتك فتجده لا يشبهك ولا يعبر عنك وهذا الكارت هو "الجوكر" الذي يكسب به دائماً "مجدي أبو عميرة" بخبرته على مدار تاريخه.

ثاني هذه الكروت وهو الأخطر إخراج "ماجدة زكي" من إطار الكوميديا وتقديمها بكل ثقلها فنانة قديرة تجيد جميع الأدوار في دور واحد بشخصية واحدة فتفاجئك وكأنك تراها لأول مرة فتصفق لها في مشاهد وتضحك معها في مشاهد وتبكي معها في مشاهد وتبكي عليها في أخرى وهو ما أكد أن "ماجدة زكي" فنانة كبيرة من العيار الثقيل تستطيع أن تدهشك بأقل مجهود ولا يوجد من الأعين الإخراجية من يلتفت لهذه القنبلة الفنية العنقودية الموقوتة ليفجرها ويخرج ما بداخلها.

أما عن "الست ماجدة" فقد ذهبت إلى مكان بعيد يتشوق له الجمهور في غياب طاقة الحب والحنان "كريمة مختار" وساعدها في ذلك ترشيد "الإيفيهات" بطول المسلسل وتوظيفها بتطعيمات داخل المشاهد فترك مساحة كبيرة من التركيز في الطاقة الإبداعية لتثبت بالدليل الفني أن منطقة "ماما نونا" التي ظلت مهجورة لسنوات قد تم إضاءتها وإعمارها على يد "ماما قوت".

كارت آخر لعب لصالح "الست قوت" وهو فريق العمل فالمواجهة مع جبروت الأداء "خالد زكي" صنعت مباراة في الأداء كانت سبباً رئيسياً في ارتفاع حرارة المسلسل أما الأجمل والمبهج هو تقديم وجوه واعدة في أدوار رئيسية تقدمها "الست ماجدة" للجمهور لينطلقوا من أحضان "ماما قوت" نجوماً والغريب أنها "مكتوبة لماجدة" في كل أعمالها وباسترجاع الذاكرة تجد "الرجل الآخر ينطلق منه "أحمد زاهر وحلا شيحة" و"عائلة الحاج متولي" تمطر نجوماً "مصطفى شعبان ورانيا يوسف وغادة عبد الرازق وسمية الخشاب" وغيرهم ممن كانوا يبدأون طريقهم وهو الحال على مدار مشوارها حتى تصل لـ "قوت القلوب" فيخرج من عباءتها نجوماً شابة بختم الجودة يملكون القلوب.

"محمد أنور – خالد ابن قوت" أحد نجوم مسرح مصر والذي غير جلده تماماً وظهر كمولود فني جديد يُفتح له الطريق ليؤدي أدواراً حقيقية بها مساحات تمثيل كبيرة بعيداً عن الكوميديا وهو أهم مكاسب المسلسل ويحتاج للتركيز زالتمهل كثيراً فيما هو قادم لأنه يملك مقومات كثيرة تمنحه ثقة الجمهور وفرصاً كبيرة للترقي فنياً.

"هايدي رفعت – فاتن بنت قوت" رغم مشاركتها في أعمال عديدة ومهمة مع "هاني سلامة" و"أشرف عبد الباقي" ولفتها الأنظار إلا أن "فاتن" إعادة اكتشاف وتقديم و"برواز" لامع يبرزها بشكل مختلف ومميز.

"كارولين عزمي – جنة بنت سالم زهران" ولأول مرة وبوجود العبقري "مجدي أبو عميرة" تُقدم ممثلة حقيقية لها حضور طاغٍ وموهوبة كبيرة وأداء مميز به مساحات تمثيلية لم تقدمها "كارولين" منذ ظهورها الرسمي في "الأب الروحي" ويظهر نضوجها وتركيزها .. فقط تحتاج لعين تراها بشكل يناسب إمكانياتها وقدراتها التي لم تقدم منها حتى الآن إلا في حدود 10% من قوتها الحقيقية ومازالت تملك الكثير.

أما مفاجأة "قوت القلوب" والتى تعتبر أهم مكاسب المسلسل فكانت في أولاد "حسان الطماوي – هيما وإش إش" واللذان ضبطا كفة ميزان الأداء والصراع المحتدم .. نجمان واعدان ينتظرهما مستقبلاً فنياً كبيراً بحسن الاختيار والتوظيف .. وهما بالأقدمية ....

" عمرو صحصاح – هيما" حالة خاصة جداً فهو أحد أهم رموز وأعمدة الصحافة الفنية المصرية والعربية وأحد أقدم وأهم جيل شبابها والمنتقل من ملعب صاحبة الجلالة لملعب الفن بعدما شعر بأعراض موهبة التمثيل منذ سنوات طويلة فقرر أن يخوض تجارب مختلفة كهواية وفي كل مرة ينتقل لعمل أكبر يلفت نظرك أن هناك شيء مختلف وهو ما تأكد بمشاركته في عمل كبير بحجم "الأب الروحي" ورغم قلة مساحات أدواره إلا أنه يثبت في الذاكرة فهو يملك هيئة وشكل وأداء وإلقاء كعوامل غير مكررة ومتفردة وهو ما يفتح له مساحات من الأدوار لا يتوافر لاعب ماهر لها وأثبت "صحصاح" بـ "هيما" نضوجه وانتظاره نوعية مختلفة من الأدوار ليتفوق على كل أساتذته الذين قدموا من بلاط صاحبة الجلالة ولم يستمروا في التمثيل وهو نجاح "صعب على "صحصاح" ولكنك تلمح أنه "مصحصح" له.

"مارتينا عادل – إش إش" وهي مشروع نجمة مكتملة الأركان مع سبق الإبداع .. "مارتينا" صاحبة الأداء القوي رغم ظهورها رسمياً للجمهور في "قوت" لأول مرة وجهاً إلى وجه فتمتلك حضوراً ساحراً ووجه مصري أصيل وهيئة نجمة كل ذلك يأخذ جانباً عندما تكتشف من النظرة الأولى أنك أمام صورة جديدة من "شريهان" التى أصبحت أيقونة خاصة لا تجد من روحها إلا في "مارتينا" بكل تفاصيلها وهو ما يؤهلها للتواجد بقوة خاصة أنها لا "تعيش الدور" ولكنها بطبيعتها بكل مقوماتها تمتلكها روح "شريهان" وشقاوتها وقرب الملامح فتدخل للقلب دون استئذان وهو ما رشحها لبطولة العرض المسرحي "الطوق والإسورة" لتقوم بدور "شريهان" التي قدمته في فيلمها .. والحقيقة أن "مارتينا" كنز فني متعدد المواهب يجب استغلاله واستثماره بشكل صحيح لأننا نفتقد نوعية "مارتينا" القادرة على كل الألوان ببساطة وخفة روح من سنوات طويلة.

أما آخر عنقود المواهب التي خرجت من عباءة "قوت القلوب" هو النجم الصاعد بقوة دون سابق إنذار "أحمد أبو رية – عوض صديق خالد" وهو ابن الفنان القدير "كمال أبو رية" واجتمعت جينات المواهب بتركيزها مع والدته "ماجدة زكي" ليخرج مشروع فنان موهوب بالفطرة بسيط الملامح سهل التشخيص بلا إزعاج وقد نجح في تقديم نفسه للجمهور لأول مرة بتفوق وباللهجة الصعيدية دون مطبات وفي دور فرعي بترشيح خارجي من مؤلف العمل لتتفاجأ به "ماما ماجدة" صديق لابن "ماما قوت" فيقدم أداءً ثابتاً وقوياً في مشاهدهما معاً دون أن تكتشف أنه ابنها إلا بالتركيز في ملامح "أبو رية" التي تزينه واسمه على تتر المسلسل وهو مشروع جديد جدير بالاهتمام.

"ماجدة زكي" صنعت حالة من الحب والبهجة دغدغت بها المشاعر واستعادت عبق نحتاجه بشدة ونلهث وراءه لتبقى "ماجدة زكي" مايسترو يقود أوركسترا فنية بديعة ويقدم أعضاءً جدد من الفرقة الفنية التى قدمت لوحة فنية من قلب القالب المصري فدخلت للقلوب بـ "ٌقوت القلوب".

يبقى فقط الرجاء والأمل ألا تعاود "ماجدة زكي" الاختفاء كثيراً وأن ينتبه المنتجون وكتاب الأعمال لاكتمال أهم عمود من أعمدة الدراما والأدوار الفنية "الأم المصرية الأصيلة" التى تعزف على القلوب في ثوب "المايسترو .. ماجدة زكي".