الطريق
الجمعة 10 مايو 2024 11:06 صـ 2 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

عمر طاهر: أبحث عن المناطق التي تختبئ فيها الإنسانية (حوار)

عمر طاهر
عمر طاهر

أرغب في مشاركة الآخرين حياتهم ولو بالكتابة..

لا أملك خطة "سابقة التجهيز" للكتابة.. ومشغول فقط بالصراحة والوضوح والاستمتاع

اللغة عندي وسيلة لا هدفًا.. وأحاول دائمًا "التقشف" فيها عند صياغة ما أودّ توصيله

"سناء البيسي" علَّمتني أن كل ما يحيط بي صالح للكتابة و"إبراهيم عيسى" فتح لي باب الجنون

أنظر طول الوقت بقلق إلى ما لم أنجزه حتى الآن

إذا امتلكتُ ٥٠ فدانًا سأعتزل الكتابة!

سعادتي في براد شاي بالنعناع مع زوجتي مع أنها لا تحب ناقد الطعام الذي يظهر لها كل يوم على الغداء!

زوجتي قارئتي الأولى وأنقذتني من حماقات كثيرة!

أحارب الاكتئاب وقفلة الكتابة بالمشي وأغاني المراهقة والفرجة على فيلم هندي قديم

الوقت الذي نقضيه في تأمّل سقف الغرفة جزء من شخصيتنا ووجهة نظرنا

مشغول دائمًا بتطوير نفسي والمحافظة على كرامة ما أنجزته

الأساتذة نوعان: مَن تتبع خطواته ومَن تحاول أن تتفادى مصيره!

حمزة نمرة لا حسابات أخرى لديه.. والعمل معه "إنصاف" للفن

جائزة نجيب محفوظ الأكثر "أناقة" أدبيًا.. وأسعدني وجود اسمي في جملة مفيدة مع الأستاذ

ترشُّح "كحل وحبهان" للجائزة أفضل رد على "مباحث الروايات"

الناشرون في مصر قليلون.. لكن السوق يعج بـ"المطبعجية"

كتابك هو ابنك واستعجال النشر أوقع كثيرين ضحية الاستغلال والنصب

 

نادرًا ما تخلو مكتبةٌ في أي بيت من كُتبه، أو جِلسةٌ شبابية عن الكتابة الحقيقية التي تلمس وتغيّر وتُضيف من سيرته، أو منشورٌ يدور عن المغامرات الإبداعية والتجريب والخروج عن المألوف على فيس بوك من استشهاد بأحد أعماله. تمرَّد منذ أول ظهوره على القوالب والتصنيفات فلم يرض أن يُحصَر فنّه في مساحة ضيقة تحمل لافتة بارزة كالروائي أو القاص أو الشاعر، وسخَّر كل ما يملك لإنتاج مساحة مختلفة يتحرّك فيها كيفما شاء له الهوى دن قيود من أي نوع. لا يمكن توقّعه أو تخمين ما سوف يفاجئك به في المرة المقبلة، لكنك واثق أنك ستستمتع به، لأنه أوّل ناقد لنفسه، وأكبر عدو للاستسهال وشهوة النشر من أجل النشر، ولأن فعل الكتابة بالنسبة له بهجة واكتشاف وإعادة صياغة للعالم كما يحب أن يراه: عمر طاهر، صانع السعادة، يسمع منا ويجيبنا في هذا الحوار دون حسابات أو تحفّظات وبرغبة صادقة في أن يأخذنا من أيدينا ويرينا عالمه الداخلي المغاير الذي أبدع لنا كل هذا الفن.

من أين ينحت عمر طاهر شخصياته؟

الشخصيات منحوتة جاهزة حول الواحد في كل مكان، نحتتها الأيام والحوادث، لا يجد أي كاتب مشقة في العثور عليها وتحويلها إلي كتابة، ولكن ما يصنع الفارق هو مقولة أحد الكتاب "ليس مهمًّا ما تنظر إليه، ولكن ماذا ترى".

دائمًا ما كنتُ أتوقف أمام لغتك؛ بسيطة وفي الوقت نفسه عميقة ودسمة، شبابية عصرية لكنها لا تتنكر للقديم، كيف استطعتَ تطويرها إلى ما وصلتْ إليه؟

اللغة عندي ليست هدفًا إنما وسيلة، أحاول طول الوقت أن أتقشف عند صياغة ما أود توصيله، أبحث عن أقصر طريق ممكن لتوصيل الفكرة، ثم تأتي مرحلة تمهيد هذا الطريق وجعله شيقًا قدر الإمكان.

ما سر الخلطة التي تضعها في كتابتك، فتصبح قريبة من جمهورك إلى هذه الدرجة، سواء كانت قصة أو أغنية أو مقالًا أو حتى منشورًا على فيس بوك؟

لا أمتلك وصفة أو خطة سابقة التجهيز عند الكتابة، في كل مرة يشغلني سؤال وحيد: كيف يمكنك أن تعبر بهذه الفكرة إلى المتلقي بنجاح، تختار الفكرة الشكل الذي يناسبها، هي التي تفرض طريقة التعبير عنها، أسير خلف ما اختارته الفكرة وأنا مشغول فقط بالصراحة والوضوح والاستمتاع بما يحدث.

مَن أساتذتك؟

قائمة الأساتذة تجدد نفسها كل يوم، ضحك علينا أهالينا زمان وقالوا "لما الواحد يخلَّص تعليمه هيحصل كذا"، والحقيقة الواحد لحد النهارده ما خلَّصش تعليمه، وطرق التفكير الجديدة تظهر كل يوم من نافذة جديدة بدرس مهم، هناك من يظهر كأستاذ "مثل أعلى" تتبع خطواته، وهناك من يظهر كأستاذ "عِبرة" تحاول أن تتفادى مصيره.

لكن ربما على رأس قائمة الأساتذة وبرعاية حسن الحظ تأتي الكاتبة الكبيرة سناء البيسي، وما تعلّمته على يديها يصعب توصيفه لأنه تحول إلي طريقة تفكير تجعلك ترى كل ما يحيط بك صالحًا للكتابة، ويأتي بعدها الأستاذ إبراهيم عيسى وهو أستاذ لجيلين تلاتة في المهنة، فتح لنا الباب لنجرِّب تحت إشرافه كل ما مرَّ في رؤوسنا من جنون الصحافة والكتابة.

ما الكتاب الذي تتمنى أنك لم تكتبه؟

من الصعب أن يرضى الكتاب عن إنتاجه، كل سطر كتبته أنظر إليه الآن وأنا أعرف جيدًا أنه كان من الممكن كتابته أحسن من كده ألف مرة.

التنوع في أشكال إنتاجك الأدبي دليل براعة وتمكّن بلا شك، لكن هل يمكن أن يكون كذلك دليل قلق وبحث وتفتيش عن السعادة وعما يُشبع روحك؟

لستً متأكدًا من كونه دليل براعة، لكنني على يقين أنه دليل قلق وتفتيش عن السعادة، الكتابة لأمثالي "صرفية طبيب" يعرف جيدًا أنها علاجك الأمثل، من حسن حظي أنها في جزء منها "أكل عيشي".

كيف تنظر إلى ما أنجزته حتى الآن؟

أنظر طول الوقت بقلق إلى ما لم أنجزه حتى الآن.

الكتابة عمل شاق ومُضن، يفرض علينا في أحيان كثيرة التخلي عن أشياء والمفاضلة بين أشياء، هل ثمة ما أنت نادم على فقده؟ وهل يستحق ما وصلتَ إليه اليوم ما سقط منك في الطريق؟

فكرت كثيرًا في سؤالك، لكنني لم أجد ما يستحق الندم. شغلتني في بعض الأوقات فكرة الندم على "الوقت الضايع" ثم اكتشفت أنه لم يكن هناك وقت ضايع ولا حاجة، الوقت الذي يقضيه الواحد يتأمل فيه سقف غرفته ويستمع إلي وردة الجزائية جزء من شخصيته ووجهة نظره، وكل المعادلات الكيميائية بانفجاراتها وحرائقها ودخانها الكثيف ينظر إليها الواحد الآن وتحيّره المعجزة التي نتجت عنها.. أنا ابن هذه الانفجارات وكل ما "ضرب في وشي" أنا مدين له.

هل ترى الصدق فضيلةً في الكتابة، أم أن الإبداع يتطلَّب بعض الكذب والشر أحيانًا؟

أنا من أنصار نظرية يوسف إدريس "لم أقل كل الحقيقة، لكن كل ما قلت حقيقة".

هل تعيد حساباتك من حين لآخر، وتفكر في ترك الكتابة؟ وإن مرَّ ذلك بخاطرك، فإلى أين ستكون وجهتك؟

الحمد لله مرَّ هذا الوقت سريعًا وبسلام. لكنني بيني وبين نفسي وضعتُ شرطًا لترك الكتابة ربما أعيد التفكير في مسألة اعتزال الكتابة إذا تحقَّق؛ أن أمتلك خمسين فدانًا وبيتًا ريفيًا ومهارة الفِلاحة اللازمة لإدارة هذه الحياة الجديدة بنجاح.

ما أسعد لحظة يمر بها عمر طاهر؟

كل ما له علاقة برضا الأهل وسعادة بناتي وبراد شاي بالنعناع مع زوجتي.
ما الذي لا يحبّه المقربون فيك؟

لا تحب أمي أحيانًا أني "باخد الأمور" على أعصابي، وأبي يطلب مني كثيرًا أن "خلِّيها على الله أكتر من كده"، وبعض الأصدقاء لا يحبِّون فيَّ أنه من الصعب إرضائي عندما يتعلق الأمر بأننا "هنطلب أكل أو هناكل برّه"، بناتي لا يحبون أني أدخن، زوجتي لا تحب ناقد الطعام الذي يظهر لها كل يوم على الغدا، اللي اشتغل معايا لا يحب النمكيّة والوقوف عند أصغر تفصيلة والبحث عن الكمال بطريقة مزعجة.

هل تنتقد عمر طاهر أحيانًا وتشتدّ عليه، أم أنك خير صديق له؟

أنتقده!، ده سلاوتي، أتسلّى بانتقاده طول الوقت، أشتدُ عليه كثيرًا لأنه دايمًا "فيه أحسن"، لكنه أيضًا صديق أعرف أشياء كثيرة يمكن أن تجعل الوقت الذي نقضيه معًا طيبًا وممتعًا.

ما الذي كاد يغيّر مسارك في الحياة؟ وهل أنت قادر على التكيف مع أي وضع، ولديك من الحيل ما يعينك على التجاوز دائمًا؟

السفر والاستقرار خارج مصر كان على وشك أن يتم، أنهيت كل الأوراق اللازمة لزيارة أحد معارف العائلة في لندن واستكشاف طريقة لحياتي هناك بعد التخرج، قبلها بأيام عُيِّنت في مؤسسة الأهرام بعد أن فقدت الأمل في الموضوع، فاخترت ما كنت أشعر تجاهه بقدر أكبر من الراحة والأمل. تعلمت أن أتكيف مع ما تفرضه عليّ الظروف، طبيعة الحياة أن تستمر، فالواحد بيدوَّر بس على الطريقة التي هتستمر بيها ويتحرك.

كيف يواجه عمر طاهر الاكتئاب وقفلة الكتابة؟

المشي وأغاني المراهقة والفرجة على الأفلام الهندية القديمة وإعادة ترتيب المكتبة وزيارة سوق الجمعة أو سوق سينما ديانا، الأكل الحلو والبن والبخور وتجربة إضافات جديدة للشاي القرنفل والحبق والجنزبيل والمرمرية، اللعب مع الأطفال، والنظر إلي الجملة الوحيدة من كل ما كتبته اللي معلّقها على الحيطة في أوضتي "وأجمل ما عندي إيمان بالله.. وبقول يا رب تكون في العون".

يمكن للكاتب أن يظل يردد لجمهوره أن تجاربه محضّ خيال، لكن يصعب هذا مع الزوجة، فهل تتسبب كتابتك أحيانًا في سوء الفهم بينكما؟

زوجتي قارئتي الأولى، وهي ناقد ممتاز، يؤجل إبداء الاستحسان حتى اللحظة الأخيرة اللي مايش بعدها تطوير تاني خلاص، وهي لا تفتش في ما أكتبه عما يسيء إليها لكنها تفتش بإمعان عما يمكن أن يسيء لي أنا شخصيًا، وأعترف أنها قد أنقذتني من حماقات كثيرة كنت على وشك أن أتورط فيها.

في مجموعتك الأخيرة (بعد ما يناموا العيال) شخصيات حية وبسيطة، لكنها مثيرة فنيًا، تمرّ بمواقف تبدو عادية وربما مكررة، لكن صياغتك جعلت لها سحرًا وتلقائية تخربش القلب، فكيف صنعتَ هذه التوليفة؟

سؤال صعب وأي إجابة عليه ستكون مجرد تنظير وتهيؤات، لا توجد توليفة، هناك فقط مجرد محاولة لكتابة جملة مفيدة، رغبة ملحة في مشاركة الآخرين حياتهم ولو بالكتابة، بحث عن المناطق التي تختبئ فيها الإنسانية، محاولة إنك تطلع في الصورة مع ناس حياتهم فيها ما يلمس القلب حتى لو كانوا في خيالك.

كلما أنجزتَ كتابًا، أيًا كان مضمونه، حظي باستقبال حافل ومودة فائقة، هل أصبح عمر طاهر مطمئنًا لإبداعه وودَّع قلق البدايات؟

قلق البدايات انتهى من زمان، الخوف كله دلوقتي من قلق النهايات، هو ده الرعب الحقيقي، سؤال كل يوم عن مدى قدرتك على مواصلة العمل وتطوير نفسك وتقديم ما يساعدك أن تحافظ على كرامة ما أنجزته.

ما الذي تتهرَّب من الكتابة عنه حتى الآن، وتعرف أنه سيظل يطاردك، حتى تطلق سراحه؟

"صنايعية مصر" الجزء الثاني.

ما تقييمك لتجربتك الأخيرة في كتابة بعض أغنيات حمزة نمرة؟

العمل مع حمزة ممتع، لأنه شخص مشغول بالفن، ليست لديه أي حسابات أخرى، يتطوّر بشكل يذهلني أنا شخصيًا، قدَّم مؤخرًا تجربة موسيقية اسمها "ريميكس" لم يمر علينا ما يشبهها، لا يقيَّدك كشاعر ولديه جرأة أن يجرب معك ما تفكر فيه، لم يأت في بالي أن يمر علي مطرب يمكن أن يغني كلاما يقول "الرعب في أفلام السيما بقى دمه تقيل"، أو " قلبي اتعبَّى حنين والفاعل مجهول"، باختصار الشغل مع حمزة فيه إنصاف للفن أكتر مما قد يترتب عليه، وأنا شخصيًا استمتعت بالعمل معه، وبغضّ النظر عما كتبته أنا، كفاية إن مصر كلها ماشية تقول كلمات خليل عز الدين "فاضي شوية نشرب قهوة في حتة بعيدة"؟

كيف تنظر إلى وصول روايتك "كحل وحبهان" للقائمة القصيرة في جائزة نجيب محفوظ؟

أسعدني أنها وصلت إلى القائمة القصيرة في هذه الجائزة تحديدًا بما تمثله. أنا شخصيًا أعتبرها الجائزة الأكثر أناقة أدبيًا، وأسعدني أن أجد اسمي يومًا ما في جملة واحدة مع اسم الأستاذ نجيب محفوظ، أي كاتب مكاني ستُسعده جملة "فلان مرشح لجائزة نجيب محفوظ".

وأسعدني أن الرواية أنصفتها لجنة تحكيم من مختلف الجنسيات، اختارتها من بين أعمال كثيرة على مستوى الوطن العربي، أتحدث عن الإنصاف لأن بعض اللي بيشتغلوا مباحث روايات كانوا يطاردونها ومحبيها في كل مكان بدعوى أنها مش رواية، وترددت كثيرًا في أهمية الرد عليهم إلى أن ظهر مَن استطاع أن يفعل ذلك أفضل مني.

علاقة دور النشر بالكُتَّاب في مصر الآن هل ترضي الله؟ وماذا يفعل الكاتب الشاب ليُفلت بإبداعه من نيّر الاستغلال والنصب والتسويف؟

الناشرون في مصر أقل مما تتخيل، هناك مثلًا عشرة بالكتير بيشتغلوا ناشرين، لكن السوق يعج بمئات "المطبعجية"، وهي مهنة أخرى، وتختلف تمامًا عن مهنة النشر، شخص يأخذ منك مسوَّدة العمل وتكلفة الطباعة مضافًا إليها مكسبه ويرسلها إلى المطبعة ثم يتسلَّم نسخًا ليبيعها لك مرة أخرى.

الناشر صاحب مهنة عظيمة، هو مُنتج النص، لديه شعور بالمسؤولية تجاه المؤلف قبل إنتاجه، الكتاب المنشور يعبِّر عن كرامته الشخصية، ومن النادر أن تجد بين الناشرين الحقيقيين في مصر -وهم معروفون يعني- مَن خذل كاتبًا شابًا أو كبيرًا.

واستعجال النشر هو الذي قاد كثيرين إلي ما أسميته "الاستغلال والنصب والتسويف"، كتابك هو ابنك حرفيًا فيجب عليك أن تدقق بشدة أين تتركه.

للتواصل مع الكاتب

موضوعات متعلقة