الطريق
الخميس 9 مايو 2024 03:05 مـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

قائد الشهداء عبد المنعم رياض.. ترك الطب من أجل حلم الجندية واستشهد في الصفوف الأمامية (صور)

الفريق عبد المنعم رياض على الجبهة
الفريق عبد المنعم رياض على الجبهة

تحتفل مصر اليوم بواحد من أشرف وأنبل أيامها التاريخية، ففي التاسع من مارس كل عام يحيي الشعب المصري ذكرى يوم الشهيد، ذلك اليوم الذي استشهد فيه البطل المصري طيب الذكر الفريق عبد المنعم رياض.

وعلى صفحات التاريخ المصري سطور كتبت بحروف من نور عن بطولات شهداء الوطن الذي ضحوا بأرواحهم فداء له، فغابوا بأجسادهم لكنهم بقوا خالدين في قلوب الجميع.

اقرأ أيضا: القوات المسلحة تنشر فيلما تسجيليا بعنوان ”حلم شهيد”

ومن تلك الصفحات العطرة، ما يذكر بطولات الشهيد عبد المنعم رياض، الذي استشهد على جبهة القتال، وفي الصفوف الأولى بين رجاله، ضاربا أعلى مثل في التضحية والقيادة.

لمحات من حياة الشهيد عبد المنعم رياض العسكرية

في السادس من أكتوبر عام 1936، وبعد أن ترك كلية الطب التي درس فيها عامين دراسيين، وقف الطالب عبد المنعم محمد رياض أمام باب الكلية الحربية ليبدأ مشواره مع حياة الجندية التي كان يؤمن أنها أسمى ما احترفه الإنسان، لما كان يراه من والده القائمقام محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة في الكلية الحربية، والذي كان يتمنى أن يحذو حذوه في المستقبل.

وبحسب ما كتب عنه في الكتاب النادر الذي أصدرته إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة في عام استشهاده، بدأت ملامح القيادة لدى عبد المنعم رياض منذ أن كان طالبا في الكلية الحربية، فلم يمض عليه وقت طويل فيها حتى وصل إلى أعلى الرتب، وهي رتبه "الباشجاويش"، حيث كان ترتيبه الثاني بالكلية.

وفي الحادي والعشرين من فبراير عام 1938، تخرج البطل في الكلية الحربية برتبة ملازم ثان، ووصفه تقرير كبير معلمي الكلية قائلا: "طالب جيد جدا من جميع الوجوه، يمكن الاعتماد عليه، ويبذل كل جهوده".

وبعد تخرجه، عين الملازم ثان عبد المنعم رياض بإحدى بطاريات المدفعية المضادة للطائرات خلال الحرب العالمية الثانية، وهناك أثبت مهارة ومقدرة فائقة، وقدم خير مثال على ما يجب أن يكون عليه القائد، فكان يعرف كل أفراد البطارية بالاسم، ويشاركهم طعامهم ويستمع إلى مشكلاتهم، وهو ما جعل مجموعته من أكفأ المجموعات، حيث اشتركت في أول مشروع لضرب النار قامت به المدفعية البريطانية عام 1939، وهناك انبهر الانجليز بمستوى المصريين وقائدهم، فرجال عبد المنعم رياض كانوا الوحيدين الذين أصابوا الهدف المقطور من اليوم الأول للضرب، ومن الطلقة الثالثة، بينما فشلت البطاريات البريطانية في إصابة الهدف نفسه لمدة 15 يوما متصلة.

وفي ديسمبر من عام 1944، وبعد 6 سنوات من تخرجه في الكلية الحربية، حصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية أركان الحرب، وجاء ترتيبه الأول على دفعته، وبعدها بعامين أتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات في مدرسة المدفعية البريطانية المضادة للطائرات في "مانوبير"، وأيضا مدرسة المدفعية في "لاركهيل"، وكان تقديره هو الامتياز.

لا مكان للوساطة في حياة البطل

كان الشهيد عبد المنعم رياض لا يعترف بالوساطة في حياته، ولا يلجأ إليها أو يستخدمها مع أحد، حتى وإن كان له أفضال عليه، ولعل أبرز ما يبرهن على ذلك، القصة التي ذكرها كتاب القوات المسلحة عنه، وحدثت عام 1950، حينما كان برتبة "بكباشي"، وكانت الوساطة منتشرة وقتها في القوات المسلحة، ووصلت إلى التدخل بدون وجه حق في كل الأمور، وكان أحد الضباط الطلبة الدارسين في المدرسة الحربية ابنا لأحد كبار الضباط في ذلك الوقت، ورسب في الامتحان النهائي للفرقة التعليمية، وبالطبع كانت هناك ضغوطا شديدة على إدارة المدرسة لإنجاحه، وهو ما رفضه رياض بشدة.

ونتيجة رفضه الشديد، لم تجد الإدارة تحت ضغط التدخلات العليا إلا أن تهبط بنسبة النجاح من 50% إلى 40% حتى ينجح الطالب غير المجد، ووقتها قال "لقد استخدموا حقهم في تحديد نسب النجاح، وسأستخدم حقي في كتابة تقريري عن هذا الضابط"، وبالفعل كتب أنه لا يصلح للخدمة بالقوات المسلحة، وهو ما تحقق بعد فترة ليست بالقليلة، حيث حوكم هذا الضابط وأحيل للتقاعد بسبب عدم صلاحيته.

اقرأ أيضا: السيسي يحتضن أبناء الشهيد العميد مصطفى عبيدو في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة

وعندما كان رئيسا للأركان، جاء إليه أحد قادته السابقين ممن يكن لهم ولاء واعتزازا ومعه قريب له، وجلس القائد القديم صامتا يبدو عليه الحرج، وقريبه يروي مشكلته التي تلخصت في انتدابه للعمل لأحد الدول العربية، وهو يعول أسرته التي بها شقيق مريض بداء عضال وله ابن ضابط في الميدان، وترجى الرجل الفريق عبد المنعم رياض أن ينقل ابنه إلى القاهرة ليرعى شؤون والده المريض.

وهنا أخذ رياض يسير جيئة وذهابا، ثم قال وكأنما يقرأ من كتب مفتوح، بحسب وصف كتاب القوات المسلحة عنه، مذكرا قائده السابق برأيه عام 1949 في بحث الضباط عن وسيلة لانتدابهم للقاهرة وعدم العودة للميدان، ووصفه بالعمل المشين، ورفض بأدب طلب قريب الرجل، قائلا: "لا يمكنني أن أسمح لضابط بأن ينقل من الميدان، حتى ولو كانت هناك المبررات، ولكني سوف أرسل لجنة من الأطباء لعلاج والد الضابط الذي يخدم في الميدان.

بطولة وبسالة واستشهاد

"إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة محققة، إن مكان القادة الصحيح وسط جنودهم، وأقرب إلى المقدمة منهم إلى المؤخرة"، كانت تلك كلمات القائد البطل الشهيد الفريق عبد المنعم رياض، والتي كان يؤمن بها ويطبقها على نفسه بكل إخلاص.

ففي العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كان للضربة الجوية البريطانية الفرنسية وقتها تأثيرا مدمرا على طائرات الجيش المصري خلال الساعات الأولى للقتال، ووقتها أدرك رياض الذي كان برتبة "قائممقام" في المدفعية المضادة للطائرات أن الوقت ليس وقت البقاء بين جدران المكتب، وبدا يتحرك من مطار لماظة إلى غرب القاهرة، ثم إلى مطارات القناة، ليحي الأمل بين الجنود والضباط، الذين وجدوا قائدهم في الصفوف الأولى يتصرف كواحد منهم ويصدر الأوامر لتحضر إليه النجدة من من العربات لجر المدافع وتوزيع المياة والطعام، ولم يترك المطارات التي ذهب إليها إلا بعد أن يطمئن على بدء الإخلاء.

وبعد تلك الحرب المجيدة بـ 13 عاما، كرر الشهيد عبد المنعم رياض الموقف نفسه، وذهب لخطوط القتال الأمامية، في التاسع من مارس عام 1969، رغم احتمالات الخطر التي كانت قائمة بسبب ما تكبده العدو من خسائر كبيرة في اليوم السابق على يد أبطال الجيش المصري من وحدات المشاة، حيث طلب من قائد الجيش في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهرا أن يحدد له وحدة فرعية يقومان بزيارتها، ورغم اقتراح قائد الجيش زيارة إحدى وحدات المدفعية، إلا إن الفريق الشهيد مازحه قائلا إنه يفضل زيارة إحدى وحدات المشاة التي اشتركت في اشتباكات اليوم السابق حتى لا يبدو متعصبا للمدفعية.

وهنا قال قائد الجيش إن جميع وحدات المشاة التي يريد رياض زيارتها تقع على الخط في مواجهة العدو مباشرة وتحت سمعة وبصره، لكنه أصر على موقفه.

وبحثب ما ذكره كتاب الجيش عن القائد الشهيد، دار هذا الحوار بين الفريق عبد المنعم رياض وأحد الضباط:

الضابط: إلى أين تريد أن تتوجه سيادتك؟

عبد المنعم رياض: إلى أي موقع أمامي

الضابط: أمامنا أكثر من موقع

عبد المنعم رياض: إذن نزور أكثرها تقدما في الأمام.

اقرأ أيضا: ”في حب مصر”.. مصابو القوات المسلحة بفيلم تسجيلي أمام الرئيس السيسي

وكان ذلك الموقع الأمامي الأكثر تقدما هو أقرب المواقع المصرية إلى الضفة الشرقية المحتلة من قناة السويس، وهناك صافح الجنود ومازحهم طالبا منهم كوبا من الشاي، ويحفزهم قائلا إنهم سيدوسون العدو بأقدامهم.

وفجاة انهالت النيران على الموقع واتخذ عبد المنعم رياض مكانه في خندق قريب ليتابع سير المعركة، ويشارك في توجيه النيران ضد العدو وإلى جانبه في الحفرة نفسها قائد الجيش، وفي حوالي الساعة الثالثة و40 دقيقة، فارق الشهيد الحياة نتيجة هجوم العدو الغادر.