الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 07:24 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد عبد الجليل يكتب: يعني إيه مُدرّسة وبترقص يا لميس؟

رئيس التحرير
رئيس التحرير

خرجت علينا الست الإعلامية لميس الحديدي تبشِّرنا بأخلاقيات جديدة، محاولةً تمرير سلوكيات مَعيبة من باب الحرية الشخصية، في ما يخص واقعة مُعلِّمة المنصورة التي رقصت على مركب في النيل أمام زملائها. المدهش أن لميس شاهدت الفيديو وما به من سقاطات أخلاقية كملامسة المُدرِّسة الرجال بجزء من جسدها، ثم قالت بجرأة تُحسد عليها: "آه وماله، هو الرقص عيب؟ دي حرية شخصية".

لكن هذا التصرف ليس حرية شخصية يا لميس، فحريتي تنتهي حيث تبدأ حريات الآخرين، وما اجترحته هذه المعلمة من إساءة، طالني، وطال كل من شاهد الفيديو، وهدم ما كنا نحسبه ثوابت لا تتغير بخصوص صورة المعلم القدوة الذي يراقب تصرفاته بوعي، ويُقدِّر لقدمه قبل الخطو موضعها، لأنه يدرك تمامًا ما يعنيه أن تنهار صورته كمثل أعلى وموجّه أخلاقي قبل أن يكون ميسرًا تعليميًا.

إن الحديدي، وبعض مَن يميلون للثقافة الغربية، يحاولون فرض الوصاية على المجتمع، وإجباره على قبول ممارسات غريبة عليه، على سبيل التمدين ومجاراة العالم الحديث، وكأن هذا لن يحدث إلا بالتنازل عن قيمنا وقبول كل ما يأتي به الآخر دون تمحيص أو عقلية ناقدة!

إن ما فعلته المعلمة، شيء مُؤسف ولا يعفيها من المسؤولية أبدًا أنها كانت في رحلة لنقابة المعلمين، فالمعلم يظل يحمل صفته في أي مكان عام، ولا بدَّ له أن يحافظ عليها، ويصونها، ويزود عنها ضد من يحاول تشويهها، لأنها عُدّته في لعب أهم وأخطر دور في الوجود: تنشئة الأجيال الجديدة وتعليمها الصواب من الخطأ.

وصحيح أن من حق الجميع أن يُرفِّهوا عن أنفسهم، لكن الفكرة في الوسيلة، ولا أعتقد أن الرقص بهذا الشكل المبتذل، والتمايل بحركات خارجة، يمكن أن يدخل تحت بند الترفيه أو التخفّف من الضغط، ولعلّ هذا ما حرَّك السوشال ميديا ضد المُدرِّسة، وقلل من مساحات التعاطف معها.

إن صورة المُدرّس في عيون طلابه وباقي أفراد المجتمع، والدور الذي يلعبه كمثل أعلى، جزءٌ من أدوات تأثيره وقوته الناعمة، ولا يمكن التفريط فيها لصالح أي منفعة أخرى، ولعلَّ هذا ما حدا بمجلس الدولة مؤخرًا لإصدار فتوى برفض استخراج رخصة قيادة مهنية للمعلّم للعمل بموجبها سائق أجرة. وكان أحد المعلمين قد تقدم بطلب للحصول على هذه الرخصة، رفعته محافظة القاهرة لمجلس الدولة الذي أدلى بدلوه باعتبار أن "المعلم في المقام الأول "مربي"، وغارس لقيم التربية والأخلاق الحميدة في تلاميذه وتعليمهم القول الحسن، وتجنيبهم قالة السوء، وما يمس الخلق، أما قيادة سيارة أجرة فتعرِّضه لسماع ما يؤذي الأذهان وهو ما يتعارض مع رسالة وسمو ومكانة المدرس".

وليس هذا من قبيل التضييق على المعلم أو معاقبته، إنما لحفظ كرامته، وتجميل صورته، وإعلاء كلمته، ومساعدته على أداء رسالته الصعبة. نعم رسالته الصعبة التي لا يستطيع سواه أن يؤديها، فهي مسؤولية ثقيلة ولها تبعات عديدة ينبغي أن يكون ملمًا بها تمامًا قبل أن يتطوع للقيام بها.

وبالمناسبة، هذه القيود والالتزامات الأخلاقية، ليست فرضًا على المعلم وحده، إنما على قطاع كبير من المُشتغلين بالعمل العام، ولعلّنا لم ننس بعد ما حدث منذ عدة سنوات، لأحد القضاة الذي شُوهد يرقص هو الآخر في مكان عام، فحُوّل للتحقيق فورًا.

فلكل مهنة آدابها، وأخلاقياتها، بما لا يخفى على أحد، فمن رأى في نفسه القدرة على الالتزام بها، فبِها ونعمت، وإلا فليبحث لنفسه عن مهنة أخرى يشعر معها بحرية أكبر، لكن التشدّق بكلمات فضفاضة مثل الحرية، والوصاية المجتمعية، لا محل له ها هنا، ومجرد وسيلة رخيصة لتمرير أخلاقيات متدنية وممارسات هدامة، لن تكون نتيجتها أقل من تدمير أجيال لا تزال تحبو في طريق تكوين معتقداتها وقيمها، وتتعرض لطوفان من الغث والمهين وغير الأخلاقي.

ولا أحسب أن أحدًا مِمن يؤيد المُدرِّسة على رقصها يحب أن يرى امرأته أو ابنته تتمايل بهذا الشكل الفج، تحت أي دعوى أو مسمى، ولا أحسب هذه المعلمة نفسها ترضى بأن يراها طلابها في هذا الموقف، فلماذا فعلته ما دامت لن تتحمل تبعاته؟!

إن مصر، في هذا الظرف التاريخي الصعب، ومع كل ما تسعى إلى تحقيقه، والعمل الجاري على قدم وساق في كل القطاعات، تحتاج إلى إنسان صالح، مدرك لما له وما عليه، وقادر على لعب جميع الأدوار الاجتماعية التي يختارها لنفسه، دون أن يترك أي ثغرات أو مساحات رمادية، وإلا فلن يكون لأي شيء معنى إذا بُنِي الحجر وهُدِم الإنسان، لن يكون لأي شيء قيمة إذا تقدم العمران أمتارًا وتراجعت الأخلاق سنتيمترات، إن جميعنا مسؤولٌ ومطالب بأن يكون شريكًا في النهضة، كي يحق له أن يجني الثمار في النهاية، وإلا فقل على الأرض السلام.

اقرأ أيضًا: ملحمة السيسي في الصعيد