الطريق
السبت 20 أبريل 2024 10:15 صـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

بوتين ضد بايدن.. صراع تأكيد النفوذ في شرق أوسط يدرك مصالحه

سباق أمريكي روسي لتأكيد النفوذ في الشرق الأوسط
سباق أمريكي روسي لتأكيد النفوذ في الشرق الأوسط

في حين تتصاعد حدة الصراعات بين القوى العظمى على أكثر من مسرح للأحداث في العالم، يتسارع الرئيسان الأمريكي والروسي لتأكيد نفوذ بلاده في منطقة الشرق الأوسط.

وفيما يخسر الرئيسان الأمريكي والروسي من رصيدهما على المسرح الإقليمي، أجريا زيارتين بارزتين إلى الشرق الأوسط في يوليو الجاري، في وقت يشعر فيه القادة في المنطقة بوضوح مصالحهم ومواقفهم أكثر من أي وقت مضى.

قوة الشرق الأوسط

وتعكس زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مصر في إطار جولة أفريقية، وقبلها الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنطقة الشرق الأوسط، وبعدها زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، تعكس محورية الشرق الأوسط في النظام العالمي في الوقت الحالي، ومحاولة كل طرف الرهان على المنطقة في صدامه مع الطرف الآخر.

واتخذ الرئيس جو بايدن الخطوة الاستراتيجية اللازمة للولايات المتحدة من خلال إعادة التشبيك مع شركاء مهمين في المنطقة في وقت ترتفع فيه أسعار الطاقة والغذاء، ويتزامن ذلك مع مأزق في المحادثات النووية مع إيران، وتجدد الصراع مع روسيا -وفي الخلفية- الصين.

وحدد فريق بايدن مجالات التعاون الضروري مع الشركاء الإقليميين في مجالات الأمن الغذائي، والبنية التحتية، والصحة العامة، وإنتاج الطاقة وانتقالها، والتعاون الأمني، وتكنولوجيا الاتصالات وشبكات الجيلين الخامس والسادس والتكامل الإقليمي.

تراجع بايدن

وبينما كان بايدن يحاول توجيه رسالة مدوية لشعاره الرئاسي: «أمريكا عادت وها هي لتبقى»، بأسلوبه الخاص - سواء كان سنه المتقدم أو الرسائل المختلطة المنعكسة في تركيز الإعلام الأمريكي بطريقة مصافحته بقبضة اليد المغلقة- بالإضافة إلى الانقسام السياسي وعدم الاستقرار في واشنطن، لم يبرز الشعور بوجود قوة عظمى قوية وثابتة وموثوقة.

في المقابل، بدا الرئيس فلاديمير بوتين أكثر تراجعاً، ويُنظر الآن إلى بوتين، الذي كان يُنظر إليه يومًا ما على أنه الخبير الاستراتيجي والتكتيكي الرئيسي، الذي يفترض أنه رأس مدبر يتمتع بالنضج ويقود النمو المطرد لروسيا، على أنه ارتكب أكبر سوء تقدير استراتيجي على الأقل منذ الغزو الأمريكي للعراق، فقد أدى قراره إلى تقوية خصومه في الناتو، وعزلة حادة لروسيا، وتقلصًا حادًا لاقتصادها، وتصورًا من قبل الغرباء أن قيادته طويلة المدى قد لا تكون مؤكدة كما كانت قبل عامين فقط عندما قرر تغيير الدستور لتمكين نفسه من الحكم حتى عام 2036.

نفوذ بوتين المحدود

وكشفت وجهة الرئيس الروسي عن نفوذ بوتين المحدود في المنطقة، فقد حل ضيفًا على طهران وفي السنوات الخمس الماضية، تقلص الاقتصاد الإيراني إلى أقل من نصف حجمه، ولم يقدم للزعيم الروسي سوى القليل جدًا، من الناحية الاقتصادية، في الوقت الذي يسعى فيه إلى الإبحار في مستنقع مكلف في أوكرانيا ومع ذلك، على الرغم من الحالة المزرية للاقتصاد الإيراني، والافتقار الواضح لإيران للقوة السياسية في النظام الدولي، فإن التحالف مع الجار الجنوبي لروسيا يقدم لبوتين العديد من الفوائد وتشمل هذه تكنولوجيا الطائرات بدون طيار التي يمكن أن تساعده في جهوده على الجبهة الأوروبية والخبرة في التهرب من العقوبات الدولية، وهي مهارة يتقنها الإيرانيون على مدار سنوات.

أما عن قادة منطقة الشرق الأوسط، قال كيريل سيمينوف المحلل في الشؤون السياسية والعسكرية الشرق أوسطية، إنهم «يدركون مصالحهم أكثر من أي وقت مضى، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالثروات الهيدروكربونية والمواقع الجيواستراتيجية».

وأوضح سيمينوف في تصريحات لموقع «الطريق»، أنه «على سبيل المثال، اكتشف أردوغان أن موقع تركيا الممتد على طول أوروبا وآسيا هو أحد الأصول الاستراتيجية في وقت تتصاعد فيه التوترات الأوروبية والأوروبية الآسيوية ويجد الملك وولي عهد المملكة العربية السعودية أنه على الرغم من ثورة النفط الصخري في أمريكا وبداية التحول الطويل للطاقة، فإن تحرك بوتين المتهور في أوكرانيا أعاد لهما نفوذاً نفطيًا هائلاً كما ينظر الإيرانيون إلى الشمال ويرون قوة عظمى محتاجة ليد العون، على استعداد لمنح النظام الإيراني شريان حياة مع استمرار الضغط من المجتمع الدولي، وتصبح تلبية الاحتياجات المحلية أكثر صعوبة وفي غضون ذلك، تحتفل إسرائيل بتكاملها الإقليمي ونفوذها الذي تمكنت من توسيعه بشكل كبير ومع ذلك فهي لا تزال تعاني من عدم الاستقرار السياسي الحاد والانقسام الذي يجعل الفوضى السياسية الأمريكية تبدو مروّضة إلى حد ما بالمقارنة بما تشهده إسرائيل من تقلبات».

سراع النفوذ

وأكد سيمينوف أنه في نهاية المطاف، على الرغم من الزيارات الباهتة من قبل كل من بوتين وبايدن، تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع أقوى بكثير في الشرق الأوسط من روسيا ولا تزال الولايات المتحدة، إلى حد ما، القوة العظمى الأكثر نفوذاً في المنطقة، بفضل شراكات سياسية واقتصادية وأمنية وتعليمية وتكنولوجية وثقافية مع الغالبية العظمى من البلدان في جميع أنحاء المنطقة.
بوصلة السياسة العالمية

ويضع بايدن الشرق الأوسط ضمن ركائز قوة الولايات المتحدة، حيث تتمحور السياسة الأمريكية حول ثلاثة محاور رئيسية، وهي «مواجهة» روسيا والتموضع في «أفضل وضع ممكن» في مواجهة الصين وضمان «مزيد من الاستقرار» في الشرق الأوسط.

ويرى المحلل في الشؤون السياسية والعسكرية الشرق أوسطية، أن بايدن يرى أن تحقيق هذه الأمور، يجب أن تكون لديهم علاقة مباشرة مع الدول التي يُمكن أن تُساهم فيها، والسعودية واحدة من هذه الدول، هذا المسعى الجديد يتطلب تعاطي مع إرث صعب ورثته إدارة بايدن من الإدارات السابقة، إذ انخفض تفاعل الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط بشكل كبير منذ نهاية عهد إدارة جورج دبليو بوش، وبعد أن وضعت هجمات 11 سبتمبر وحرب العراق المنطقة في قلب السياسة الخارجية الأمريكية لثماني سنوات، بعدها، حاول الرئيس الأسبق باراك أوباما الحد من التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، كما فضل الرئيس دونالد ترامب أن تكون مشاركة الولايات المتحدة محدودة في المنطقة.

وتابع سيمينوف أن الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط في الأعوام الماضية استغلته روسيا بشكل جيد وعادت لتلعب أدوارا فعالة في دول وملفات عدة، أهمها الملف السوري، وحاليا فإن أمريكا وروسيا في سباق جديد على نيل رضاء دول المنطقة وعلاقات أكثر دفئا معها، ما يحول الشرق الأوسط إلى بوصلة السياسة العالمية.

منطقة حيوية

وبدوره، أكد أنطون مارداسوف الباحث بمعهد الشرق الأوسط للدراسات ومجلس الشؤون الدولية الروسي، أن جولة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى القارة الأفريقية بداية من القاهرة، وحرصه على مخاطبة الدول العربية، تسعى من خلالها موسكو لتأكيد وجودها في تلك المنطقة الحيوية والمهمة لمصالحها، عبر الاستفادة من رغبة بعض الدول بناء تحالفات غير غربية قد تستطيع هي أن تملأها.

وقال مارداسوف في تصريحات لموقع «الطريق»، إن جولة لافروف الأفريقية وخطابه الموجه للدول العربية، تسعى بالأساس لتأكيد مجموعة من الرسائل والأهداف وهي «تأكيد فشل المساعي الغربية في عزل روسيا دبلوماسياً، وإظهار قدرتها على التحدث مع دول عديدة وفاعلة خارج المنظومة الغربية مهما حدث».
وأضاف: «كذلك تحاول موسكو إثبات أن الحرب الأوكرانية والجهود الغربية لمحاصرتها لم تنل من الوجود الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعليه تعزيز التعاون والشراكات السياسية والاقتصادية مع دول تلك المنطقة الحيوية بالنسبة لموسكو».

وذكر مارداسوف أن «من خلال ذلك الانفتاح يبدو أن موسكو تريد تأكيد عدد من الرسائل من بينها عدم تأثر سياسات الكرملين الداخلية أو الخارجية على الرغم من مرور نحو 6 أشهر على الحرب الدائرة جغرافياً في أوكرانيا، وإظهار عزم روسيا على الاستمرار في تحمل المنافسة مع الغرب والولايات المتحدة وحلف الناتو واستغلال تناقضاتهم في بناء شراكات قوية مع اللاعبين الإقليميين، وبناء حوار جاد مع دول الشرق الأوسط بطريقة أكثر جدية وموضوعية وقائمة على المصالح المتبادلة مع الابتعاد عن الخطابات الشعبوية».

اقرأ أيضا: هل شكلت قمة جدة ملامح إدراك بقوة الذات العربية؟