الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 02:05 صـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

ذكرى وفاة ناصر الغلابة.. بطولة «السبع» في وقف نزيف دماء الأخوة الأعداء

عبد الناصر والرؤساء العرب- صحيفة الأهرام
عبد الناصر والرؤساء العرب- صحيفة الأهرام

تحل اليوم الذكرى الـ 52 لرحيل الزعيم جمال عبد الناصر ثاني رؤساء مصر، والذي حكمها من عام 1956 وحتى وفاته في عام 1970 يوم 28 سبتمبر، والملقب بـ«ناصر الغلابة» لانحيازه إلى الفئات التي طالها التهميش فترة حكم الملك فاروق، وأيضًا كان حريصًا على دعم القومية العربية وحل الخلافات بين الرؤساء العرب.

ماذا حدث قبل وفاة عبد الناصر بخمسة أسابيع؟

كشف الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، في كتابه «عبد الناصر والعالم» واقعة غاية الغرابة حدثت بين مجموعة من الحكام العرب قبل وفاة عبد الناصر بخمسة أسابيع، حين شعر «ناصر» بأنّ الملك حسين يستهين بقدر المقاومة الفلسطينية، وأنه كان مخطئًا عندما قال إنه يستطيع أن يقضي عليهم تمامًا خلال ساعات، وكذلك فعندما قابل زعماء المقاومة كان رأيه أنهم كانوا مخطئين عندما قالوا له إنهم في استطاعتهم أن يجهزوا على الملك في سبع ساعات وقال للطرفين معا: «عليكما أن تتعايشا، فما من أحد منكما يستطيع التخلص من الطرف الآخر، وهذه حقيقة من حقائق الحياة عليكم معا أن تسلموا بها».

ويضيف «هيكل» في كتابه أنّ عبد الناصر قال أيضًا للملك حسين: «تقول إنك تستطيع أن تتخلص منهم؟ حسنا، إذا كنت تقول إنك قادر فربما كنت قادرًا بالفعل، ولكن الثمن سيكون باهظًا للغاية، فكيف سيكون في وسعك أن تحكم بلد بعد حرب أهلية ستكلفك ما بين عشرين وثلاثين ألف نسمة؟ إنك في هذه الحالة سوف تحكم مملكة من الأشباح الهائمة».

عبد الناصر والملك حسين

وأردف محمد حسنين هيكل، أن عبد الناصر قال للفدائيين أيضًا: «لا تتخيلوا أن في وسعكم مواجهة جيش حديث، فإذا ما قرر تصفيتكم، فإن ذلك في قدرته، ولذا لا تبالغوا في تقدير قوتكم، ويجب أن تحاولوا إيجاد صيغة للحياة والنضال من الأردن».

إحلال السلام في الأردن

وأدت جهود عبد الناصر لإحلال السلام في الأردن إلى عقد مؤتمر القمة في القاهرة الذي حضره عشرة من الرؤساء والملوك العرب، وكانت جميع متناقضات العالم العربي تتجلى في اجتماعهم الذي انعقد بينما كان القتال دائرًا في الأردن.

وبحسب «هيكل» لعب عبد الناصر دور الوسيط والمصلح طوال الأيام الثمانية التي استغرقها المؤتمر لأنه كان يريد جاهدًا تجنب الانقسام والتكتل، بين مختلف الفئات، ولكن ذلك كان عسيرًا في معظم الأحيان، فكان یاسر عرفات قد أمكن تهريبه من عمان متخفيًا في «الدشداشة» وكوفية بيضاء حتى يتمكن من حضور مؤتمر القمة، ووصل مفعما بالعداء للملك، وما لبث الملك حسين أن اتصل شخصيًا بالتليفون وطلب الحضور لیرد أمام المؤتمر على ما جاء في التقرير المقدم من الرئيس جعفر نميري، والذي ألقى عليه اللوم وحمله تبعة استمرار إراقة الدماء، غير أن بعض الحاضرين عارضوا اشتراكه.

 یاسر عرفات

يقول «هيكل» أن رأي عبد الناصر كان أنه يجب على الملك أن يحضر مادام هدف المؤتمر وضع حد للمذابح، غير أنّ الرئيس القذافي انفجر معترضًا على ذلك قائلًا: «ما الفائدة من إحضاره؟ إنه معتوه، إنه مجنون» واعترض الملك فيصل آل سعود على الفور قائلًا: «كيف تقول ذلك عن ملك عربي!»، وأجابه القذافي قائلًا: «ولكن أين والده؟ أليس هو محتجزًا في مصح عقلي في اسطنبول؟ إنه مجنون.. قطعًا مجنون.. إنّ الجنون وراثي في تلك العائلة.. إنهم جميعا مجانين».

وناشد الملك فيصل الرئيس عبد الناصر أن يتدخل لدى القذافي: «كيف نقبل أن يصم أحد زملائنا ملكًا عربيًا سيشترك معنا في مناقشاتنا غدًا، بالجنون؟».

وبدأ الرئيس عبد الناصر يبتسم، بينما مضى القذافي يقول: «أجل.. والله إنه مجنون.. وينبغي علينا أن نستدعي غدًا بعض الأطباء لإرساله إلى مستشفى للأمراض العقلية حتى نتبين ما إذا كان مجنونًا أم لا».

القذافي

وتدخل عبد الناصر ضاحكًا: «يبدو لي أننا جميعا مجانين، واقترح أن نستدعي بعض الأطباء للكشف علينا جميعا ليقرروا من منا مجنون ومن الراشد».

وعندئذ قال الملك فيصل: «طيب.. لا بأس يا حضرة الأخ عبد الناصر، ولكنني أريد أن أكون أول من يكشف عليه الأطباء، فربما وجدوني مجنونا وساعتها أكون قد تجنبت عذاب الاشتراك في محادثات كهذه».

الملك فيصل

ترسانة سلاح

ويحكى الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل في كتابه أنه عندما وصل الملك حسين للاشتراك في الاجتماع كان يصطحب اثنتين من الضباط معه، وكان الثلاثة مسلحين بالمسدسات، وكان ياسر عرفات هو الآخر يتمنطق بمسدس حول خصره، وكذلك كان القذافي يحمل مسدسًا حول وسطه هو الآخر.

وأشار عرفات إلى الملك حسين وصاح: «هل ترون هذا المجرم، يقتلنا ثم يأتي إلى هنا»، وقام الحاضرون بتهدئته، غير أن الملك فيصل تطلع إلى من حوله وقال: «أعوذ بالله.. إننا في ترسانة سلاح، وفي مهب كل هذه المشاعر الملتهبة».

الملك حسين

ويقول «هيكل» أنه لم يشأ الملك فيصل أن يجلس إلى جوار أي عضو في المؤتمر يحمل مسدسًا، ومع ذلك فقط احتفظ حاملو المسدسات بها.

ويؤكد «هيكل» في كتابه أنه كان اجتماعًا يسوده التوتر البالغ، ولكن - كما هي التقاليد أحيانا! - فقد راح الرجال الذين كانوا على استعداد لقتل بعضهم البعض في الصباح يتبادلون القبلات الأخوية في المساء.

وقف إطلاق النار

حصل الرئيس عبد الناصر على موافقة كل من الملك حسين وياسر عرفات على وقف إطلاق النار، ودهش الجميع من هذه النتيجة، فقد كانت كل الظواهر تشير إلى استحالة ذلك: حدة المشاعر، وعمق الخلافات الجوهرية، ومن ثم فقد بدا الفشل أمام العالم الخارجي أمرا محتومًا لا مفر منه، على أن عبد الناصر استطاع بمقدرة سياسية وصبر لا تحده حدود أن يقنع الإخوة المتخاصمين بتوقيع الاتفاق.

اقرأ أيضًا: من هم الأشخاص المعرضون لخطر الإصابة بجدري القرود؟