الطريق
السبت 27 أبريل 2024 04:30 صـ 18 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

القديسة «سانت فامى».. تاريخ مدرسة «العائلة المقدسة» بالمنصورة

مدرسة العائلة المقدسة
مدرسة العائلة المقدسة

أنشأتها القديسة الفرنسية «إميلى دورودا» مؤسسة رهبنة العائلة المقدسة بباريس وكانت تلقب بـ«معلمة الفقراء»

فى شتاء عام 1908، استقبلت مدينة المنصورة 3 راهبات أتين من فرنسا، لتنفيذ رسالة تعليمية جديدة باللغة الفرنسية بمحافظة الدقهلية، وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات حينها، إلا أنها أصبحت تجربة رائدة مازالت مستمرة حتى الآن.

112 عامًا مرت على إنشاء مدرسة العائلة المقدسة أو كما تعرف بـ«سانت فامى»، التى تعتبر من أهم وأعرق مدارس اللغات بمحافظة الدقهلية، وتخرج فيها العديد من القامات فى مختلف المجالات السياسية والعلمية والفنية، أبرزهم الإعلامية ليلى رستم، نجمة التلفزيون المصرى فى الستينيات.

بداية نشأة المدرسة كانت على يد القديسة «إميلى دورودا»، مؤسسة رهبنة العائلة المقدسة بفرنسا، وكانت تلقب بـ«معلمة الفقراء»، واهتمت بفكرة إنشاء مدارس مجانية تتخذ من روحانية العائلة المقدسة منهجًا لها، وأسندت مهمة التدريس للراهبات الأجنبيات، وذلك حسبما قال مهند فودة، منسق مبادرة «أنقذوا المنصورة» المعنية بالحفاظ على التراث بالدقهلية.

اختارت القديسة إميلى منزلًا صغيرًا فى وسط مدينة المنصورة، ليكون نواة المدرسة، وبدأت مشروعها الإنسانى بتلميذات لم يتجاوز عددهن 20 تلميذة، وتولت الراهبات الثلاث تأدية رسالتهن التربوية والتعليمية، وفى عام 1923، تم نقل المدرسة للمبنى الحالى بشارع سعد الشربينى، وكان مكونا من طابقين، وذاع صيتها نظرًا لما تقدمه من محتوى تعليمى يختلف عن المدارس الحكومية، واعتمادها نظاما دراسيا باللغة الفرنسية فقط، حتى وصل عدد التلميذات لـ360 تلميذة فى عام 1925.

اهتمت القديسة «إميلى» بنشر فكرة مدارس العائلة المقدسة، وأنشأت عدة فروع فى بعض الدول، وحرصت على أن يتشابهوا جميعهم فى التصميمات المعمارية، وكانت مدرسة «سانت فامى» المنصورة نسخة مطابقة لمدرسة جونيه بلبنان، وتم بناؤهما فى نفس العام، وتشابها أيضًا فى النظام التعليمى والتربوى.

ويوضح فودة، أن المدرسة كانت تضع قواعد وتعليمات صارمة لا يمكن مخالفتها، وتعتمد الإدارة على نظام الثواب والعقاب بين الطالبات والمدرسات، كما كانت تهتم بالنظام التربوى والأخلاقى للفتيات، وتعليمهن فنون الإتيكيت والاهتمام بالمظهر الخارجى.

ويضيف منسق مبادرة «أنقذوا المنصورة»، أن الدراسة بالمدرسة كانت باللغة الفرنسية لجميع المراحل التعليمية، وتقدمت أول تلميذة للثانوية العامة الفرنسية عام 1941، وكان حدثًا جليًا بمدينة المنصورة، وفى عام 1944 افتتحت مرحلة رياض الأطفال، ونظرًا لزيادة الإقبال تم إنشاء الطابق الثالث لاستيعاب العدد عام 1953.

وظلت مسيرة عطاء الراهبات الأجنبيات حتى العدوان الثلاثى عام 1956، ومن بعده تحول مسارها التعليمى للغة العربية، وغادرت الراهبات مدينة المنصورة، وتسلمت وزارة التربية والتعليم المدرسة، وتمت الاستعانة بهيئة تدريس مصرية لاستكمال الدراسة.

ويشير فودة إلى أن آخر راهبتين أجنبيتين غادرتا المدرسة، هما زينا الشمالى وجورجت، وذلك فى عام 2015، وكانتا لبنانيتى الجنسية، وتحولت اللغة الأجنبية الأولى من الفرنسية للإنجليزية، واعتمد نظام الدراسة باللغة العربية، وتم إلغاء المرحلة الثانوية، والاكتفاء بمرحلة التعليم الأساسى فقط.

نهج الدراسة بالسانت فامى كان مختلفًا عن المدارس الحكومية، فبجانب المناهج العلمية، تخصصت بعض الراهبات فى تدريس مادة «علم الحياة والأخلاقيات»، وفيها تتعلم الطالبات كيفية التعامل مع الأصدقاء والأقارب، والتصرف السليم فى المناسبات، والاهتمام بغرس قيمة الأمومة بهن.

كما وضعت الإدارة قائمة محظورات لا تهاون فيها، منها أن اللغة الفرنسية هى أساس التعامل، ومنع التحدث بالعربية سواء بين الطالبات أو داخل الفصول، ومن تضبط تخالف ذلك تعاقب بكتابة جملة «لا يجب أن أتحدث بالعربية» باللغة الفرنسية 100 مرة، فضلًا عن تعليم كل طالبة نصوص دينها، وتنشئتهن على قبول الآخر مهما تكن ملته أو شكله، والبعد عن التنمر والإيذاء.

تلك التعليمات الصارمة طبقتها المدرسة لسنوات طويلة، ومع قرار ضمها لوزارة التربية والتعليم، تحولت الدراسة للغة العربية، والإنجليزية أصبحت هى اللغة الأجنبية الأولى، كما فتحت الباب أمام الطلاب الذكور للالتحاق بها.

وفى عام 2008، احتفلت المدرسة بمرور 100 عام على إنشائها، بحضور الإعلامية ليلى رستم إحدى خريجات هذا الصرح الكبير، الذى كان ومازال يحتفظ بمكانته العلمية الخاصة.