الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 05:49 صـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الحتة اللي ناقصة

طارق سعد
طارق سعد

"الحلو مايكملش".. مثل شعبي ضمن سلاسل من الأمثال الشعبية التى صاغها أجدادنا البسطاء وأجدادهم، لتلخص حالات وأوضاع قد يطول شرحها وتحليلها، بكلمات موجزة ناجزة منسوجة من بساطتهم، لتعيش وتتوارثها الأجيال وتصبح جزءً أصيلاً من معاملات الحياة.

لأن الكمال لله وحده فمستحيل الحصول على علامة كاملة في أي شيء، مهما دققت وكنت بالغ التركيز، حتماً هناك هفوة قدرية لا يمكن تفاديها فدائماً "الحلو مايكملش".

يقفز إلى ذهنك هذا المثل عندما تشاهد المجهودات الجبارة التى قامت بها الآلة الإعلامية المصرية فى إدارة أعنف أزمة على مر التاريخ، بانتشار فيروس "كورونا" الذى ضرب كوكب الأرض كاملاً دون علاج أو لقاح، وكانت شهادة ميلاد جديدة للإعلام المصري الذى مات إكلينيكياً منذ عام 2011، ليعود بقوة وتماسك يعلن عن نفسه من جديد ويسطر صفحات جديدة فى تاريخه، ضمن منظومة إدارة الأزمة الكبرى، ستسجل بحروف مضيئة فى تاريخ الإعلام المصري الحديث، وربما تسجل باسمه على مستوى الإعلام العالمي في حنكة إدارة الأزمة والتعايش معها.

ولأن "الحلو مايكملش"، فرغم ما بذلته الآلة الإعلامية المصرية من جهد فى التوعية من خطر الفيروس، ومتابعة التطورات لحظة بلحظة، ومحاولات طرح كل التفسيرات والشروحات الممكنة، وتوفير المعرفة الكاملة للمواطن بخطورة الأمر وكيفية تجنب الوصول لوضع كارثي، فكان الاهتمام الرئيسي بتوعية المواطن بكيفية التعامل مع مريض الـ "كورونا"، أو مع من يشتبه فى إصابته، إلا أنه للأسف لم يلتفت القائمون على الإعلام لـ "الحتة اللي ناقصة".. لأهمية التوعية بكيفية التعامل مع المتوفى بالـ "كورونا" وهو ما تسبب فى خلق وضع كارثي من نوع آخر!

أمر مؤسف وقاسٍ عندما ترى أسرة ترفض استلام جثة أم متوفاة خوفاً من شبح العدوى ويضطر المعالجون لدفنها بمقابر الصدقة .. وقرية ترفض دفن طبيبة بحجة معالجتها للمرضى .. أيضا منع دخول طبيب أو طبيبة لدائرة سكنهم بتجمهر خوفاً بنفس الحجة ليتحول المتوفى إلى ملفوظ منبوذ يرمى على الطرقات دون أى سند طبي أو علمي على انتقال الفيروس من الجثة للحي اللهم إلا أنه الجهل الممذوج بالذعر دون فض الاشتباك.

مؤكد ستلتمس العذر لغياب هذه الرؤية وسط "المعمعة" ربما سقطت سهواً وهو أمر وارد أمام إدارة أزمة بكل امتياز بشهادة العدو قبل الصديق وهو انتصار كبير لا يستهان به ولكن .....

أين الآلة الإعلامية بعد هذه الوقائع والحوادث المشينة؟ لماذا لم تعد حساباتها وتكمل "الحتة اللي ناقصة"؟ لماذا لم تنتج سريعاً تنويهات تغرق بها فواصل محطاتها الفضائية لتنزع فتيل القنبلة الموقوتة؟ لماذا لم يظهر فى برامج الـ "توك شو" متخصصون يشرحون ويفندون علمياً كيفية التعامل مع متوفى الـ"كورونا" والاحتياطات الواجبة حتى لا تتكرر مثل هذه الوقائع الدامية للقلوب مرة أخرى؟

لماذا غابت هذه الرؤية رغم هذا الصخب والضجيج ومازال معظم المتابعين بكامل اقتناعهم بالتخلص من المتوفى بالـ "كورونا" وقد تتكرر نفس الأزمة لا قدر الله مرة أخرى دون تصحيح للفهم؟!

"الحتة اللي ناقصة" يجب أن تكتمل حتى لا تترك ثغرات تضيع مجهوداً وانجازاً مهماً سيكون معبراً رئيسياً للأزمة ونترك فرصة لـ "الحلو يكمل" بدلاً من أن نفسد الـ "طبخة" كلها على "رشة ملح".