الطريق
السبت 20 أبريل 2024 01:09 مـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

ديني ودين الناس

إيمان صبري خفاجة
إيمان صبري خفاجة

«مالي وللناس كم يلحونني سفها ديني لنفسي ودين الناس للناس»..

ظن «الحسين بن منصور الحلاج» أنه بتلك الكلمات البسيطة الواضحة في المعنى والمضمون، يستطيع أن يغلق الأبواب أمام الوصاية الفكرية والدينية التي يفرضها الناس على بعضهم البعض، للحد الذي يصل بهم إلى تكفير الغير واتهامهم بالإلحاد وازدراء الأديان، متناسين بذلك أن الدين الواحد يحمل بين طياته مذاهب متعددة، يلتف حولها الناس وفقا لما يناسب مجتمعاتهم ومستوياتهم الثقافية.

اختارت الكاتبة «هبة شريف»، هذه الكلمات كي تمهد بها لموضوعات كتاب «ديني ودين الناس»، الصادر عن دار العربي للنشر عام 2017.

يعطي العنوان انطباع أولي للقارئ بأن الكاتبة بصدد الحديث عن الاختلاف الدائم بين الناس فى العقائد الدينية فقط، لكنه سرعان ما يكتشف أن هذا الخلاف كان بداية لصراعات أخرى في مجالات متعددة، وكأنهم حلقة واحدة، دائرة لا تنتهى، وفي السطور التالية سوف نطرح بعض هذه النقاط التي وقفت أمامها الكاتبة بالبحث والمناقشة، لتكشف أسباب استمرار تلك النزاعات حتى الآن.

كتاب ديني ودين الناس

الحياة الحديثة أو الحياة كمشروع تجاري

بدأت الكاتبة هذا الجزء بتعريف القارئ بمعنى الحداثة؛ وهى كل ما هو جديد وعصري ويستند إلى الاكتشافات العلمية.

كانت الدول الأوروبية أول من عرف هذا المفهوم بعد قيام الثورة الصناعية في الفترة من 1750:1850 ميلادية، وقد أثرت تلك الحداثة على الإنسان بشكل إيجابي؛ حين جعلته يسعى للاستفادة من كل ما يملك من موارد على وجه الأرض، لكنها فى نفس الوقت كانت دافعا للبعض إلى التنصل من أهمية الأديان في المجتمع، فلم يعد الإنسان يؤمن سوى بقدرة العلم والعقل، وكانت هذه أحد سلبيات الحداثة.

أتيناهم غزاة

تناقش الكاتبة تحت هذا العنوان نقطة هامة؛ كيف حاولت الدول الأوروبية نشر حداثتها وتقدمها فى الدول النامية من خلال احتلال تلك الدول، تحت شعار كاذب وهو مساعدة شعوب العالم الثالث على التطور والالتحاق بركب التقدم الهائل في أوروبا، والأمر في حقيقته لم يكن سوى فرصة لفرض السيطرة على موانئ تلك الدول لتأمين الطرق إلى مستعمراتها، والاستفادة من ثروات الدول النامية التي لن تستطيع شعوبها استغلالها بالشكل الأمثل، وقد استشهدت الكاتبة بالاحتلال الفرنسي لمصر عام 1798، كأول دليل على أكاذيب الغرب.

كما أضافت الكاتبة في هذا الجزء، أن هذا الاحتلال كان السبب الحقيقي خلف رفض شعوب الدول النامية ومنهم مصر لتلك الحداثة، الأمر الذي يكشف زيف ادعاء الغرب بأن المتدينين أو المحافظين كما تسميهم بعض الدول، يرفضون أي مظهر من مظاهر التقدم الآتية من الغرب لأنها تتعارض مع عاداتهم وتقاليدهم، ومن تلك النقطة ظهر مصطلح تعارض الحداثة مع الدين.

بطبيعة الحال لم يستسلم الغرب لرفض الدول النامية لثقافته، فعمل على نشرها بطرق أخرى من خلال نظم التعليم المختلفة كالمدارس اللغات التى تتبنى معتقدات تختلف عن طبيعة الشرق من خلال مناهج محددة، وقد استطاعت أن تصنع جيلا كاملا ينادى بتطبيق الحداثة على الطريقة الأوروبية متناسيين سلبياتها التى عانى منها الشرق في الماضي وما زال وسيظل يعاني.

الولي والدولة والثورة

تسلط الكاتبة الضوء على إشكالية قديمة، وهي سعي السلطات الحاكمة في الشرق إلى ضم رجال الدين لصفوفها؛ الأمر الذي يجعل من المؤسسات الدينية أداة تستخدمها وقت الحاجة للسيطرة على الرأى العام وتوجيه الناس نحو انتماء سياسي واحد، مستندة في ذلك إلى تعلق الناس بالروحانيات الدينية التى توصيهم بالصبر وتحمل الشدائد، وتكرر على مسامعهم أن أوضاع الدولة المتراجعة ما هى إلا أقدار إلهية لا يصح الاعتراض عليها، بالإضافة إلى أن رجال الدين أصحاب قدرة على التعبئة الشعبية في الحروب، وفقا للقاعدة الدينية التي تؤكد على فرضية الجهاد فى سبيل الله والوطن.

كما أضافت أن بعض الدول قد تساعد وتؤيد بعض المذاهب الدينية التي تبعد الناس قدر الإمكان عن شؤون الدولة السياسية، وبالتالي تصبح بعض الأفكار مستحيلة في عرفهم كالقيام بالثورات، الأمر الذي يوضح أحد أسباب ازدهار وسيطرة المذهب الصوفي أثناء بعض الحقب التاريخية، وذلك لأن اتباعه يؤكدون على أن أهم قواعده هى الرضا بالقضاء والقدر والصبر على الابتلاء الذي قد يتمثل في بطش السلطة وظلمها، وبذلك يتحقق هدف الحكام الأساسي؛ أن تظل فكرة الثورة بعيدة عن أذهان الناس قدر المستطاع.

الدين والمجال العام

فى هذا الجزء تناقش الكاتبة معارضة بعض المؤسسات الدينية للعلم، وضربت مثال على ذلك بتجربة «جاليليو» عام 1543 حين تبنى نشر نظرية العالم «نيكولاس كوبرنيكوس» حول مركزية الشمس، في حين كانت الكنيسة تروج لعكس هذا المعتقد.

خلصت الكاتبة في هذا الصدد إلى أن السبب الحقيقي في تلك الخصومة؛ أن الدين ما زال وسيظل يمثل الهوية الجمعية لأي مجتمع لأنه يحمل كثير من تفاصيل الحياة اليومية لأفراده، كالشعائر والطقوس وإحياء الاحتفالات الدينية، لكنها بالرغم من صحة ذلك السبب أكدت أن الشعوب لا تثور بدافع من الدين أو العلمانية أو من أجل أى انتماء سياسي، وإنما تثور على أوضاع ظالمة تمس حياتهم اليومية وتؤثر على مستقبلهم.

بالوصول إلى هذا الجزء قد يقف القارئ أمام مصطلح متكرر في العديد من النقاط، وهو "الشرق المسلم"، فالشرق مسيحي ويهودي أيضا، ولكن بنهاية صفحات الكتاب يتضح أن هذا المصطلح جاءت به الكاتبة لأنه كلمة شائعة يعبر بها الغرب عن هوية الشرق، وفي ذلك إصرار منه على وضع الشعوب الشرقية في إطار محدد ينفي عنهم ثقافة الاختلاف والتنوع.

كما تتضح نقطة هامة كانت أهم ما يميز هذا الكتاب وهو استعانة الكاتبة بالأعمال الأدبية الروائية، والفنية، بالإضافة إلى الأبحاث والكتابات الأكاديمية في شرح العديد من النقاط، الأمر الذي خفف من حدة الموضوعات وساعد على تقديم صورة كاملة للمجتمعات الشرقية، فالفن عاكس لحياة هذه الشعوب.

فى النهاية قد تراود بعض القراء فكرة أن الكتاب لم يأتِ بجديد فى بعض القضايا البحثية، وهو أمر لا نستطيع أن ننكره، لكن كم المصادر الهائل الذي حرصت الكاتبة على توثيقه داخل صفحات الكتاب حتما سوف يدفع القراء لمزيد من البحث، فالكلمات والأفكار طرق متداخلة يؤدي كل منها إلى الآخر.

وقد أكدت الكاتبة هذه الفكرة في كلماتها، قائلة:«قد لا يكون ما أكتبه جديدا على بعض القراء، فكل الكتب والنظريات تبنى على بعضها البعض، وكل الآراء الجديدة تستفيد من آراء سابقة عليها، والجديد فيها هو طريقة التناول وطريقة العرض والأمثلة».