الطريق
الخميس 28 مارس 2024 07:42 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

خيط مي عز الدين

طارق سعد
طارق سعد

دائما وعلى مدار سنوات الدراما والحديث لا ينقطع عن الأزمة الكبرى التي تعاني منها الدراما المصرية من عجز في البطولات النسائية فالفنانات التي يتم إسناد البطولات الدرامية لهن يمكن عدهن على أصابع اليد الواحدة فمن يطلق عليهن "نجمة تشيل مسلسل" ويباع باسمها معروفات بالاسم ولم تتغيرن وعلى رأسهن "مي عز الدين" وهي من أولى فنانات الجيل الجديد اللاتي حصلن على صك البطولة المطلقة على مستوى الدراما وحققت نجاحات كبيرة وأرست قدماها بقوة لتصبح نجمة رمضانية ثابتة لسنوات متتالية وهو الموسم الأسخن في عرض الأعمال واكتسبت ثقة الجمهور وتحولت لواحدة من أفراد الأسرة.

"مي عز الدين" استطاعت أنت تصنع اسماً فنياً بلا غبار ولا دخان سواء بنار أو منفرداً .. اسماً صافياً لا تصاحبه عند ذكره أية عكارة .. لا تعتمد إلا على موهبتها وطموحها في اعتلاء مكانة مميزة وقد تحقق حلمها بنسبة اقتربت من العلامة الكاملة.

نجاح أي عمل فني يحتاج صناعة مميزة وخاصة الدرامي والذي يمتد لما يتخطى الـ 30 حلقة أو الضعف بعكس السينما التي تعتمد في صناعتها على الإبهار بما يناسب سحر شاشتها في ساعة ونصف من الوقت فالعمل الدرامي يستقر في بيت المشاهد ويبقى جزء منه طوال مدة عرضه ويتفاعل معه المشاهد ويتحول لجزء من نسيجه وهو ما يلزمه صناعة واعية قادرة على جذب المشاهد واستمراره معها حتى المشهد الأخير مهما طالت الحلقات فيما يشبه الجراحة الدقيقة.

هذا ما نجحت فيه "مي" باقتدار وذكاء كبير في صناعة مسلسلها "خيط حرير" والتي عادت به بقوة لتعتلي قمة المشاهدة وخارج السباق الرمضاني وهو ما لم يكن ليحدث لولا وجود "صنايعية" محترفة قامت على هذا العمل ليخرج بهذا الشكل من فكرة وتأليف وصورة وإخراج بشكل مميز ومختلف بما وضع "مي" في منطقة مختلفة جديدة عليها تقدمها لأول مرة فللمرة الأولى تشاهد "مي عز الدين" ممثلة كاملة درامياً وهو أكبر مكاسبها على مدار مشوارها.

"خيط حرير" ليس مجرد اسم مسلسلها ولكنه الخيط التى نجحت "مي" أخيراً في القبض على طرفه بعدما نجحت في تغيير جلدها تماماً تقدم نفسها كـ "مشخصاتية" وليست مجرد ممثلة ولا فنانة ولا نجمة فما لم يلتفت إليه المشاهد أن "مي" قدمت في هذا المسلسل شخصيتان مختلفتان تماماً ومتناقضتان لأبعد مدى فـ "مسك" قبل الحادث الوحشي الذي تعرضت له مروراً بزواجها من "صلاح قنديل" واحدة أما "مسك" بعدها فهي أخرى لا تمت لها بصلة لتكتشف أن "مسك بسيوني" ليست "مسك قنديل" فتشاهد خير وشر الإنسان في خطين متوازيين يفصلهما دافع الانتقام.

تفوقت "مي" على نفسها في أداء الشخصيتين والتي يربطهما فقط "خيط حرير" أمسكت به "مي" بمنتهى الذكاء غزلته ولم يخذلها فعبرت بالمسلسل سالمة وزرعت "مسك" في قلب المشاهد يتعاطف معها حتى في شرها باعتباره ثأر مطلوب بعد ذبح "مسك" الملائكية.

بالرغم من أن تيمة المسلسل ليست جديدة وعادت لتنتقم إلا أن التناول وحنكة السيناريو والإخراج التشويقي المختلف صنع حالة مختلفة جذبت المشاهد بكل حواسه وجعلته يلهث خلف أحداثه .. أما أكبر نجاح حققته "مي" في هذا العمل تحديداً هو تلوين الأداء والتخلص من لزمات وجهها في ردود أفعالها وهو أكثر ما كان يؤرقها نتيجة التعليق المستمر عليه وهو ما يكشف ذكاء وتحدي "مي" لنفسها لتقفز إلى منطقة الحرفية في الأداء متخطية مرحلة الممثلة الممارسة وهو ما ظهر واضحاً بين "مسك بسيوني" و"مسك قنديل" فالشكل الإخراجي كان سلاحاً ذو حدين قادراً على اغتيالها لولا براعتها التي جعلت ظهورها بأي شخصية منهما هو علامة التوقيت الزمني للحدث فلم تعتمد فقط على الملابس والماكياج والشكل الخارجي ولكنها أمسكت بالرسم المحدد للشخصيتين وأدواتهما بدقة هي في الحقيقة جديدة على "مي" وهو الـ "خيط" الجديد الذي أمسكت "مي" بطرفه ليسحبها هو لنقطة التحول الكبرى في مشوارها.

فكرة المباراة في الأداء التي سيطرت على المسلسل بين الأبطال المشاركين فيه زادت من مستوى الجودة فيكفي وجود العتاولة "أحمد صيام" و "صفاء الطوخي" ومباراة صنعت كفة للميزان أضافت مذاقاً خاصاً والقدير "عبد الرحيم حسن" الذي يزاد تألقاً وثقلاً وحنكة وجاذبية فنية مع كل شعرة بيضاء تزيد في رأسه.

"حازم سمير" اكتشاف جديد من أول وجديد فهو كما يقال "دور العمر" الذي كشف عن أبعاد جديدة في أداء "حازم" لم تظهر من قبل جعلت منه الغائب الحاضر في معظم الأحداث بطلاً موازياً تتشوق لتعرف خلاياه وتفاصيله منفرداً وظهر تفوقه وسيطرته بقوة بعدما اقتنع الجمهور أن "صلاح قنديل" مازال حياً ويخطط وينفذ حتى بعد نزول تتر النهاية وهو نتيجة لقوة وسطوة أداء "حازم" الذي يجب أن يتوقف عند "صلاح قنديل" كثيراً ليدرس خطواته المقبلة فقد أثبت أنه مكسب فني كبير.

أما "محمود عبد المغني" فهو نجم من العيار الثقيل مظلوم فنياً لم يعبر حتى الآن غير بـ "بث تجريب" مما يملكه من موهبة وأداء "عظمة" يستحق بهما أن يكون بطلاً مطلقاً .. صحيح أن هذا الأمر لم يعد مهماً مع سطوة البطولات الجماعية إلا أن "مغني" الذي يزداد بريقاً وتوحش فني يستحق التقدير بشكل أكثر احترافية وهو ما يحتاج مؤلف ومخرج يستطيعان وضعه في القالب المناسب لقدراته كما فعل "محمد سليمان عبد المالك" و "إبراهيم فخر" اللذان صنعا "خيط حرير" نُسج منه عملاً فاخراً درجة أولى.

"محمد على رزق" اكتشاف خطير يجب استغلاله بقدر حجم قوته فهو الامتداد الطبيعي للساحر "محمود عبد العزيز" بلا تشبه أو تصنع يتنقل بالأداء ويتلاعب به باحتراف في كل أدواره ويقفز قفزات واسعة فهو يحمل بصمة جينية لعمالقة الزمن القديم وهو صالح للتعملق ينتظر فقط من يجيد توظيفه باستمرار.

"سوسن بدر" التي أصبح بريقها يشبه أسرار الفراعنة التي تنتمي هيئتها لهم فهي القديرة غول التمثيل وهو ما ساهم في تأكيد قوة "مي" الجديدة في المشاهد التي جمعت بينهما والتي حملت سحراً خاصاً للمتعة.

أفضل ما قدمه "خيط حرير" هو تخطي "مي عز الدين" لكبوة مسلسلها السابق الذي ظُلمت فيه ظُلماً بيناً من صناعه لتثبت أن الفنان الحقيقي لا يلتفت للتعثر سوى للتعلم من الأخطاء التي أدت إليه ويظل دائماً رهان جمهوره على النهوض سريعاً والانطلاق بقوة وهو ما حققته "مي" بصبر وذكاء "زي الكتاب ما بيقول".

قد تشفق على "مي" من القادم بعد هذا المستوى الغير متوقع ولكن الرهان الوحيد هو الثقة في ذكاءها بعدم تفريطها في هذه الفرصة للتحول الكبير واختيارها صناعة عمل تليق باسمها وحضورها ...

ليبقى هو "خيط مي عز الدين" الحرير الحقيقي.