عبد الحليم حافظ ”الموعود بالعذاب”.. أسرار في حياة العندليب ورحلته مع اليتم والمرض

"العندليب، الأسطورة، ابن الشعب" وغيرها من الألقاب التصقت به، شهرته جعلته يتربع على عرش الغناء حتى وقتنا هذا، بصوته المليء بالشجن، وعيونه التي تخبئ خلفها حزن دفين، وجسمه النحيل من شدة المرض، هز بصوته الوطن العربي بأكمله، ولكن خلف كل هذه النجاحات كانت آلام ومعاناة كثيرة نغصت عليه حياته، فكانت لأغنيته "موعود معايا بالعذاب" نصيب من رحلة حياته التي آلمت الكثير حتى إنه كتب عن نفسه في مذكراته إنه "ابن القدر".. إنه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ صاحب أجمل نغمة عربية والذي يمر اليوم على رحيله 44 عامًا.
عبد الحليم اليتيم أرضعته 300 سيدة
منذ ولاته كُتب عليه اليتم، ففي قرية "الحلوات" التابعة لمركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية، عام 1929، ولد عبد الحليم شبانة، وأرضعته أكثر من ثلاثمائة سيدة نظرًا لوفاة والدته، فقد توفيت والدته بعد أيام قليلة من ولادته، وقبل أن يكمل عامه الأول توفي والده، ليبقى يتيمًا، ويعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة، وكان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذي دمّر حياته.
عبد الحليم والمرض
ولم يكن اليتم عامل الحزن الوحيد في طفولته، فقط كان طفلًا والأصغر بين أخواته الثلاثة يلهو في مياه الترعة القريبة من منزله، ليصاب بمرض البلهارسيا، ومرت الأيام وظل المرض صامتًا، كأنه يحضر لظهوره بقوة، وفي عام 1956 وكان في قمة نجاحه، أصيب بنزيف مفاجئ واكتشف إصابته بتليف في الكبد ناتج عن مضاعفات إصابته بمرض البلهاريسيا.
ومن هنا بدأت رحلة علاج عبد الحليم حافظ، التي لم تمنعه من النجاح والإبداع خلال مشواره الفني، لكنه ظل متنقلًا من دولة لأخرى قام خلالها بإجراء حوالي 61 عملية جراحية، حتى قام بحقن "دوالي المرئ" بمادة تمنع النزيف، كأول مريض يحصل على هذا العلاج الحديث، واعتاد على الحقن سنويًا لمنع النزيف الذي كان يلازمه.
مسيرة عبد الحليم حافظ الفنية
أما عن مسيرة عبد الحليم حافظ الحافلة، فقد بدأت بعدما التحق بمعهد الموسيقى عام 1943، ثم عمل مدرسًا للموسيقى لمدة أربع سنوات بعدها قدم استقالته من التدريس، والتحق بفرقه الإذاعة الموسيقية، ليكتشفه بعدها الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسم حافظ ليصبح عبد الحليم حافظ بدلًا من عبد الحليم شبانة.
وفي 1952، غنى "صافينى مرة"، وهاجمه الجمهور بشدة، حيث لم يكن الناس على استعداد لتلقى هذا النوع من الغناء الجديد، ولكنه أعاد غناءها بعدها بعام، وحققت نجاحًا كبيرًا.
أغاني عبد الحليم
وقدم العندليب الأسمر خلال مشواره الغنائي أكثر من 200 أغنية تنوعت بين الحب والأعياد والمناسبات الدينية والأغاني الوطنية، تعاون فيهم مع كبار الشعراء والملحنين، منهم صلاح جاهين، والموسيقار محمد عبد الوهاب، والملحن كمال الطويل، ومحمد الموجي، وبليغ حمدي، وغيرهم، وقدم أكثر من 60 أغنية وطنية ألهبت المشاعر جعلت منه ابن الثورة وصوت الشعب في فترات النكسة والانتصار.
عبد الحليم والتمثيل
وفي عالم السينما حقق "العندليب" نجاحًا كبيرًا رغم أنه كان لا يملك أداء قويًا، ولكنه كان يمتلك كاريزما كبيرة وذكاء باهر، لما يملكه من رؤية في اختيار موضوعات أفلامه، التي نرى أنها تشبه الحالة التي يعيشها، فهو المطرب المصاب بمرض خطير فى فيلم "حكاية حب"، وهو الفقير الصاعد في فيلم "معبود الجماهير"، وغيرها من الأدوار، التي تمثل مرحلة من حياته.
واقتحم عبد الحليم تجربة التمثيل للمرة الأولى عام 1955 من خلال فيلم "لحن الوفاء" وقد شاركته البطولة الممثلة شادية وقدم فيه 6 أغانِ منها أغنية "على قد الشوق" وفي العام نفسه قدم 3 أفلام أخرى وهي "أيامنا الحلوة" وفلم "ليالي الحب" و"أيام وليالي".
المحطة الأخيرة في حياة العندليب الأسمر
وكانت المحطة الأخيرة في حياة العندليب إصابته بفيروس سي من كثرة عمليات نقل الدم التي خضع لها، مما زاد من حدة المرض، ونصحه الأطباء باجراء "زراعة الكبد"، وكان من أثرها الجانبية "النسيان" ليرفض العندليب بشدة، وفي موعده السنوي ذهب إلى لندن، لحقن دوالي المرئ لمنع النزيف، وكان حينها يستعد لحفل الربيع، وساءت حالته واكتشف الأطباء إصابته بمرض الصفرا، ومنحه الطبيب المُعالج "دواء الكورتيزون"، للقضاء على الصفرا ما عرضه لانتفاخ ليتوقف الكبد تمامًا عن وظائفه ليفلظ أنفاسه الأخيرة يوم 30 مارس بلندن بعيدًا عن وطنه، عن عمر ناهزالـ 47 عامًا.
اقرأ أيضًا: ما الذي جمع بين عبد الحليم حافظ ونجلاء فتحي؟ وسر إصراره على تغيير اسمها
مسك الختام
قبل وفاة عبد الحليم بأشهر قليلة أدى مناسك العمرة، وفيها حضر غسيل الكعبة، وحرص على الصلاة فى الأركان الأربعة للكعبة المشرفة، كما سجل عددًا من الأدعية الدينية، وقال عددًا من المقربين له أنه كان لا يترك سجادة الصلاة.