الطريق
السبت 27 أبريل 2024 05:08 صـ 18 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

رمضان زمان| «مولاي إني ببابك».. أيقونة النقشبندي وبليغ.. وجمعت بين الشيخ والعفريت

بليغ حمدي والشيخ النقشبندي
بليغ حمدي والشيخ النقشبندي

الابتهالات هي واحدة من ملامح الشهر الكريم التي تشكل حالة روحانية وتقرب إلي الله، وينتظرها الصائمون قبل موعد الإفطار بأصوات تطرب أسماعهم وتعزف على وتر القلوب، وما بين الأصوات الشجية كان شيخ المبتهلين الشيخ سيد النقشبندي الذي قدم عددا كبيرا من الابتهالات لا تزال محفورة في وجدان المصريين.

يمتلك النقشبندي صوت عذب بات أحد أشهر المنشدين في تاريخ الإنشاد الديني، كانت ابتهالات وتواشيح النقشبندي بصوته تعلن عن اقتراب موعد آذان المغرب في شهر رمضان ومن بينها الأشهر "مولاي إني ببابك" التي جمعت بين الشيخ والعفريت بليغ حمدي.

ولد ابتهال "مولاي" عندما كان النقشبندي يفتتح حفل خطبة كريمة الرئيس السادات في القناطر، وبعد أن انتهى وقف ليصافح السادات الذي أمسك بيده وأبلغ وجدي الحكيم أنه يتمنى أن يسمع صوت النقشبندي على ألحان بليغ حمدي وأمره بفتح الإذاعة.


كانت رغبة السادات لا تأتي مع رغبة الشيخ النقشبندي الذي ذهب إلى استديو الإذاعة على مضض، وما إن رأى وجدي الحكيم حتى صاح بأعلى صوته "هغني على آخر الزمن يا وجدي"، كان شيخ المبتهلين يظن أن اللحن مع الابتهال لا يجتمعان وقد يفسد خشوعه ويحوله إلى أغنية طربية، ولكنه لا يعلم بليغ حمدي ينتظره داخل الاستوديو ومعه لحن سوف يجعله يغير ظنونه بل وحياته.

اتفق وجدي الحكيم على إشارة بينه وبين النقشبندي، وهي أن يجلس مع بليغ نصف ساعة وإن أعجبه اللحن يخلع عمامته ويضعها بجانبه، أما إن دخل "الحكيم" ووجد العمامة ما زالت فوق رأس النقشبندي سوف يفهم أن اللحن لم يعحبه وحينها يبلغ السادات بفشل المفاوضات بينه وبين بليغ.

دخل النقشبندي الاستديو وبدأ يصدح بـ"مَوّلاى إنّى ببابكَ قَد بَسطتُ يَدى.. مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي"، بينما وجدي الحكيم يقف بالخارج يترقب في قلق ما يدور في الداخل؛ في الوقت ذاته كان الشيخ يتجلى "أقُوم بالليّل والأسحارُ سَاجيةٌ..أدعُو وهمّسُ دعائى بالدُموُع نَدي.. بنُورِ وَجهِكَ إنى عَائدٌ وجلُ.. ومن يذ بك لن يَشّقى إلى الأبد".


تخرج كلمات الشاعر عبد الفتاح مصطفى مندمجة مع لحن بليغ الهادئ حتى يناسب صوت النقشبندي الذي خلع عمامته وأطلق بصوته القوي "مَهما لقيت من الدنيا وعارضها.. فَأنت لي شغل عمّا يرى جسدي"؛ كان وجدي الحكيم ينظر إلى عقارب ساعته حتى يدخل بعد المدة التي اتفق عليها مع النقشبندي وهو يمني نفسه أن يكون قد أعجبه اللحن وخلع عمامته.


العرق يتصبب من جبين النقشبندي وهو يكمل الابتهال بصوته الملائكي "تَحّلو مرارةِ عيشٍ فى رضاك.. ومَا أُطيقُ سُخطا على عيشٍ من الرَغَد"، ثم يخلغ "الجبة والقفطان" ويتحسس قلبه بيده وهو يقول "مَن لي سِواك ومَن سِواك يَرى قلبي ويسمَعُه كُل الخَلائِق ظِلّ في يَدِ الصَمدِ"، القلق من رفض الشيخ للحن بليغ يسيطر على وجدي الحكيم ويجعله يفتح باب الاستديو ويدخل ليجد الشيخ لم يكتفي بخلع العمامة ولكنه من سحر لحن بليغ خلع "الجبة والقفطان".


النقشبندي يرفع يده للسماء يناجي خالقه ويدعوه في رهبة وخشوع بـ"أدعوكَ يَارب فاغفر زلَّتي كَرماً.. واجعَل شَفيعَ دُعائي حُسنَ مُعْتَقدي.. وانظُر لحالي في خَوفٍ وفي طَمعٍ" ثم يسأل ومع سؤاله الإجابة "هَل يَرحمُ العَبد بَعْد الله من أحد؟".


يفيق النقشبندي من دهشته وينظر بجواره يجد وجدي الحكيم وثمة ابتسامة ظهرت جلية على وجهه فيقول له "بليغ ده عفريت من الجن"، وتمر السنين ويعيش ابتهال "مولاي" طوال الأبد ويبقى الأكثر حضورا في شهر رمضان.