الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 06:07 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

اقتصاد رباني

الفرن البلدى علامة من علامات الريف المصرى الأصيل كان يصنع كل أنواع الخبز والمأكولات بدون تكاليف تذكر حزمة حطب وانتهى الأمر، ولما عدد أفراد الأسرة زاد والبيوت اتقسمت بالميراث ونمط البناء تغير إلى شقق مدهونة بالزيت لم يعد للفرن البلدى مكان وتمت إزالته من معظم البيوت.

بعد إزالة الفرن كانت الفلاحة تضع فيه قمامة المنزل ويتم حرقها مع أول خبيز. أين تذهب قمامة المنزل؟ على أقرب ترعة وتم إلقائها وبعد فترة الترعة اتسدت ومنعت وصول الميه لنهاية الترعة. وتراكمت أكوام القمامة ومعها الحشرات من كل نوع أبو قردان طول عمره بيدور على الفلاح اللى بيروى الأرض وينزل ضيف عنده ينضف الأرض من الحشرات والقوارض. وعمل أيه أبو قردان؟ نقل مسكنه بالقرب من أكوام القمامة ليستمتع بأكل الحشرات والقوارض من كل نوع وفى أى وقت الطعام موجود. طول النهار. مفيش لف على الحقول ولا مساعدة للفلاح وانتشرت الحشرات والقوارض فى الحقول وأتلفت المحاصيل، الفلاح بقى يدفع تكاليف باهظة فى سبيل مكافحة القوارض بالمبيدات.

وده أدى إلى انتشار الأمراض المسرطنة بين بنى البشر، نظرا لأن المبيدات تلتصق بالخضروات والفواكه وحتى أعتى المنظفات لا تستطيع إزالتها، ومع انسداد الترع وعدم وصول المياه إلى نهايتها زادت تكاليف نظافتها بالكراكات التى كانت تنظفها مرة كل سنة.

وباقي الفلاحين اللى اتحرموا من الميه بسبب انسداد الترع اضطروا إلى استخدام المياه الجوفية فى الرى ودى تحتوى على نسب ملوحة عالية ومع الوقت تضعف قدرة الأرض على إنتاج كافة أنواع المحاصيل، محصول الفلفل والطماطم ومعظم الخضروات تأثرت ولم تعد تنتج أى شيء. ولم تعد قادرة على زراعة البطيخ والشمام والخيار وهى من المحاصيل التى اشتهرت الأرض بإنتاجها قديما.

قامت القوارض والناموس والثعابين بمهاجمة بعض القرى التى تنتشر فيها أكوام القمامة وزادت تكاليف المقاومة الكيماوية وهذا يشكل خطرًا على صحة الإنسان. أما مياه الترع فقد أصبحت غير نظيفة وخطر على الحيوان قبل الإنسان. الترعة اللى كان شباب القرية بيستحموا فيها الضهر من الحر أصبحت مكبا للنفايات ومياهها غير نظيفة ولا تصلح لشرب الدواب والطيور.

ومع ارتفاع نسبة الملوحة فى التربة بسبب المياه الجوفية والطرنشات التى أصبحت مصارف العمارات الشاهقة ظهرت الديدان السمراء والقواقع الى تقضى على المحاصيل بلا رحمة، وليس لها علاج إلى الآن، فقد دمرت محصول البرسيم وتجعل الأرض صحراء جرداء ودا له تبعات خطيرة على الثروة الحيوانية وإنتاج الطيور.

وكيف يتم علاج ذلك؟ الفرن البلدى يرجع بشكل عصرى ودا هيساعد على زراعة القمح وتنمية الثروة الحيوانية، ليه منصنعش فرن بالطاقة الشمسية ويكون صغير الحجم قادر على إنتاج الخبز؟ أما بالنسبة للترع. فلازم يتم تغطبة الترع والقنوات المائية داخل القرى والكفور والنجوع، وأنا أعلم أن هناك مشروعًا يعد بهذا الخصوص ويتكلف مليارات وهو يسير ببطء نظرا لتكاليفه العالية، بلدنا تأخرت كتير فى سبيل مواجهة المشاكل مما أدى إلى تراكمها وارتفاع تكاليف إزالتها، لا بد من وصول مياه الترع نظيفة إلى كل الحقول كما كان فى الماضى وإلا سوف نواجه عواقب كارثية وتأخر المواجهة يؤدى الى زيادة تكاليف التنفيذ.

عندما تُزال أكوام القمامة من الترع بسبب تغطيها سوف يعود أبو قردان إلى تنظيف الحقل من القوارض والحشرات، وعندها سوف يقل الإنفاق على المبيدات، فتقل الأمراض التى تصل إلى الإنسان بدون مايشعر. مشكلة عدم ذهاب أبو قردان إلى الحقول كنا نظنها مشكلة سهلة وأن المبيدات سوف تخلصنا من آثارها، ولكن هناك أجيال من بنى البشر قد أصيبوا بالسرطان وماتوا بسبب عدم ذهاب أبو قردان إلى حقل الفلاح كما كان يفعل قديما. مساكن أبو قردان ومستعمراته كانت تقام فى منطقة القناطر الخيرية ويقوم باكرا فى رحلة طيران تقدر بكيلومتر واتنين للوصول إلى أماكن الرى وهى أماكن الطعام.

عندما أقام أبوقردان مستعمراته بالقرب من أماكن القمامة ازداد سمنه وأصبح يطير بصعوبة وريشه الأبيض الجميل أصبح يميل إلى السواد، وأصبح ضعيفا غير قادر على حماية نفسه من الأطفال والقطط والكلاب. أنا فاكر وإحنا صغيرين كنا نعرف أهمية أبو قردان ولا يمكن نؤذيه زى أطفال دلوقتى مابيعملوا. وكنا بنغنى ونقول أبو قردان زرع فدان نصه ملوخية ونصه بتنجان، والحقيقه أن أبو قردان كان بيزرع الأرض كلها مش فدان واحد بس.

أبو قردان مكنش بيخاف من الفلاح وكان يقف مطمئن بجواره، دلوقتى بيخاف من أى شيء حتى من الفلاح لأن الود بينهم أصبح مفقودًا. تغطية الترع هو الأمل الوحيد ورئيس الجمهورية متبنى هذا الموضوع ويضعه على رأس أولوياته نظرا لأهميته القصوى والعاجلة لأهل الريف وأهل مصر بصفة عامة. وعملية تبطين وتغطية الترع تتكلف مليارت، يعود بعدها الريف إلى سابق عهده.