الطريق
السبت 20 أبريل 2024 08:56 صـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الشدة المستنصرية 1200 م 

وقعت أحداث هذه الشدة علي أرض الكنانة مصر -حفظها الله-من كل سوء وقد وقعت عام 1200ميلادية هذا يعني أنها منذ 820 سنة، وكان معروفًا أن مدة جفاف النيل سبع سنوات تسمي السبع العجاف، وقد كتب عنها المقريزي المؤرخ الشهير.
وقد وقعت مآسٍ صعبة على الشعب المصري في أول ثلاث سنوات.
يقول ارتفعت أسعار السلع في الأسواق بشكل جنوني وكان السعر يزيد ثلاث مرات يوميًا وجاع الناس وتعودوا علي أكل جثث الأطفال وخاصة الصغار منهم حتي وصل بهم الحال إلى أنهم طبخوها.
وكان الدقيق والقمح أغلى من الذهب وقد بيعت حارة في الجمالية أو في باب الشعرية بطبق من الدقيق وسُمّيت حارة (أبو طبق) وهي موجودة إلى الآن لم تتغير.
ومن كان منهم يموت لم يكن يدفن وكان يُترك حتي يتعفن أو يأكل منه الناس وكثير من الناس هربوا من مصر إلى الشام وماتوا في الطرق لأنه لم يكن هناك بلاد مجاورة لمصر مباشرة كبقية الدول فكان الشعب السوري أثناء الأزمة يهرب إلى تركيا والمسافة بينهم بسيطة وقريبة جدًا، وكذلك الشعب اليوناني يهرب إلى تركيا مجرد عبور الترعة فقط على خلاف الشعب المصري إذا تحرك للغرب فإن أقرب بلد في ليبيا على بعد 1500 كم وتوفي كثير منهم عطشًا.

ما يحدث هذا حيث يهاجر كثير من الشباب المصريين بطرق غير شرعية عبر الطرقات الوعرة في الصحاري ويموتون من شدة العطش، حتي إنهم يعثرون على أماكنهم بالصدفة وتجدهم يموتون بكامل ملابسهم ومعهم حقائبهم.
وفي مصر من المستحيل أن يهرب شعبها إلى أي بلد مجاور إذا فكروا بالهروب إلي السودان سيموتون قبل دخوله وإذا دخلوه سيأكلونهم من الجوع.
ما دام باب النزوح مغلقًا بسبب الطبيعة ما بأيدي الناس أن يفعلوه؟
يقول المقريزي تعوَّد الناس على أكل الموتى والمحرّمات، وخصوصًا القطط والكلاب والحمير، ومن النوادر التي رُويت قصة عسكري من عساكر السلطان أتى إلى قرية علي فرسة ودخل بيت وعندما عاد وجد الناس ذبحوا الفرسة ووزعوها بينهم.
ومن الحكايات التي رويت أن الجوع قد وصل إلى السلطان والوزراء والأغنياء فما صنع السلطان عندما جاع؟
عندما جاع السلطان قام ببيع الرخام الذي صُنع به مقابر أجداده حتى يجد المال ويأكل.
يقول المقريزي عمّ الخراب والتصحُّر والموت في كل مكان وفي يوم من الأيام جمع السلطان كبار تجار الحبوب وأمرهم ببيع مالديهم في الأسواق بأدنى سعر.
كم عدد الموتى في أول سنين الشدة؟
انخفض عدد سكان مصر إلى أدنى مستوياته، ومات في سنين العجاف مائة ألف وهو عدد كبير جدا في هذه الأيام.
وقد زحف سكان الريف إلى المدن وجلسوا في الطرقات لعلهم يجدون من يطعمهم أو يسقيهم شربة ماء، لم يكن في تصور الناس كيف أنهم كانوا يعطشون في الماضي عندما كانت تجف الترع ويلعبون فيها ولم يكن هناك طرمبات مياه وكان من لديه مياه كأنه عنده كنز ثمين، والله أنا أتذكر مرة كنت في الحقل وأردت أن أشرب وبكيت ساعة لرجل كبير عجوز لكي يسقيني ولم يرضَ وقال لي أولادي أولى بهذه المياه.
النيل والترعة كانوا محور حياة البشر ومصدر أكلهم وشربهم، ولم يكن هناك وسائل نقل سريعة لنقل البضائع من مكان الوفرة إلى مكان الأزمة وهذا أثر التكنولوچيا في التقليل من شدة الأزمة في الماضي كانت السلع تُنقل على الدواب كالجمال والحمير والبغال وكانت تسير في الطرق لشهور وأحيانًا تتعرض للنهب والسرقة من اللصوص أو من الجوعى.
أما الآن فأصبح هناك طيارات إغاثة مُحمّلة بما لذ وطاب من أبعد بلاد الدنيا إلى منطقة الأزمة في غضون ساعات، وهذا أثر التكنولوجيا في التقليل من ضخامة الأزمة.
الطرمبات كانت اختراعا عظيما لأن الناس كانت تموت من العطش والمياه موجودة تحتها.

سأحكى حكاية من الزمن القديم جيش سليمان كان يسير في الصحراء وعطش الجميع، فضحك الجن فأحضر سيدنا سليمان الجن وسألهم لماذا تضحكون والناس تموت عطشًا؟
فقالو نحن نسير فوق خزان ضخم من المياه في هذه المنطقة الصخرية، فجمع الجن وأمرهم بحفر الآبار فحفروا أكثر من ثلاثمائة بئر وشرب الجميع وارتووا وهكذا تقوم الطرمبة بما قام به الجن قديمًا حيث تستخرج الماء العذب وقت طلبه.
أنا أتذكر في الماضي لم يكن غير طرمبة واحدة في البلد، وكانت عليها طوابير من النساء وسرعان ما انتشرت الطرمبات ونشرت المياه العذبة فقللت من الأمراض التي كانت تصيب الجميع، وكان متوسط العمر لا يتعدى أربعين سنة وكان الفشل الكلوى يحصد أرواح الناس بسبب العطش أو المياه الملوثة، أما الآن فلا أحد يشرب من الطرمبة والجميع يشرب المياه المعدنية التي وفرتها محطات التنقية.
أصبحت الطرمبات للدواب وغسيل الأغراض والمياه المعدنية للشرب والطبخ وهذا أثر من آثار التكنولوجيا في التقليل من فداحة الأزمة. أحدهم يسأل ماذا لو جف النيل الآن؟ هل سيكون له تداعيات خطيرة على حياة البشر؟
يكون له تداعيات كبيرة على الزراعات ولو أن معظمها أصبح يعتمد على المياه الجوفية لكن لن يموت إنسان من العطش كما كان يحدث قديمًا، نظرًا لوجود طلبات السحب والرفع العملاقة التي توفر الماء.
وقع الأزمة سيكون خفيفا بسبب المساعدات الدولية التي تصل إلى المناطق المنكوبة وهناك أزمات تحدث للبشر من هذا النوع، وخاصة بسبب الحروب وجميعنا رأى أزمة اللاجئين في تركيا وكيف وفرت تركيا المأوى والطعام عندما يزيد على أربعة ملايين لاجئ ولمدة طويلة ولكن إذا استمرت الأزمة أكثر من هذا ستحدث مآسٍ كما حدثت في الشدة المستنصرية في مصر عام 1200ميلادية.
التقدم التكنولوجى أوجد بذورًا وأسمدة جديدة فتضاعف إنتاج المحاصيل ثلاث أو أربع قراريط قمح يعطوا إنتاج أكبر من الفدان سابقًا كما أن الصوب الزراعية وفرت الجو المناسب لإنتاج المحاصيل وقد رأينا الخيار أصبح موجودًا، طوال السنة وملوش موسم دى كانت معجزة للأنبياء فقط.
وسائل النقل الحديثة (طائرات عملاقة وسفن الشحن العملاقة) قادرة على حل المشاكل بسرعة.
الطرق والكبارى التي أصبحت تقصر المسافات وتختصر الزمن قادرة على التخفيف من حدة أى أزمة مهما كانت قوتها.

تكنولوجيا الزراعة الحديثة التي استطاعت زراعة أى تربة مهما كانت خصوبتها قادرة على التخفيف من وقع أى أزمة.
الغذاء المفيد لا شك أن الغذاء الحديث اختلف عن قبل أصبحت كميات قليلة وفوائدها عديدة مغذية وكانت قبل ذلك كميات كبيرة غير مغذية.

التكية
مامعنى التكية وماهى فائدتها؟
التكية مكان تأكل وتشرب وتنام فيه ومدة الضيافة ثلاث أيام ويصرف عليها من بيت مال المسلمين لأن الزكاة لها مصارف معينة لايستطيع أى حاكم مخالفتها وأول من فعلها الأتراك وهناك تكية مصرية موجودة إلى الآن في السعودية تطعم الحجاج الفقراء.
وكان ملك دارفور السودانى له تكية بين مكة والمدينة سميت باسمه أبيار على كانت للشرب والطعام وهى ميقات إحرام أهل المدينه والشام ومصر ويبدأ منها الإحرام.
لو تم تفعيل التكية وصرف عليها من الزكاة سوف تنتشر في كل الأماكن مثل موائد الرحمن وكان الكل يبنيها لطلاب العلم والمسافرين وكلما انقطعت به السبل وهذا اقتصاد إسلامى وهو يختلف عن الاقتصاد الوضعى كل الاختلاف وصل الحال في أيام عمر بن عبد العزيز عندما تتدفق خيرات البلاد إلى وضع الطعام للطيور والدواب وتزويج الشباب.
لكن إذا اراد الله هلاك منطقة سوف تهلك مهما كانت التكنولوجيا وقدرتها على حل المشكلات.
لو غارت المياه الجوفية سوف تتوقف طرمبات السحب من الأعماق ولو انتشرت الآفات الزراعية من الممكن أن تقضى على المحاصيل الزراعية.
هناك علاقه بين فيضان الأنهار والمياه الجوفية ففي الفيضانات تتصرف كميات هائلة من المياه إلى باطن الأرض وتضيف إلى رصيد المياه الجوفية المخزونة فيرتفع منسوبها إلى أعلى مستوى وكلنا يعلم أن جفاف النيل يؤدى إلى نقص المياه الجوفية.
خلاصة القول أن كل شئ بأمر الله ومن الله وكلما زاد علم الإنسان واستغله استغلال نافع سوف يعود على البشرية بالفائدة.
بقلم أ.د/السيد محمد راشد أستاذ جامعى سابق