الطريق
الخميس 25 أبريل 2024 04:32 مـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

سبعةٌ على مقياس رختر المصريّ

تعرضت مصر لهزاتٍ عنيفةٍ قلبتها رأسًا على عقبٍ، وسوف أتابع معكم هذه الهزات وأثرها على المصريين.

هزة نبى الله يوسف عليه وعلى نبينا السلام، بعث الله نبيه يوسف لكى ينقذ مصر من أزمة كبيرة وعنيفة وهى نقص المياه، إذ جفَّ النيل، وأمسكت السماء عن الإمطار، وظلت هذه الأزمة لسبع سنواتٍ، وتُعرف هذه السنوات السبعة بالسبع العجاف، وكان فرعون وأسلافه متسلطين على الشعب المصرى، منهم من ادعى الألوهية كاملة، ومنهم من اكتفى بأنه من ممثل للإله، فهو نصف إله، وهكذا كانوا يحصلون من المصريين على ما يريدون دونما اعتراض، ولم تكن الأسرة الحاكمة هم المتسلطون الوحيدون الذين ابتُلي بهم المصريون، بل كان هناك صنف ثانٍ من المتسلطين، وهم الكهنة، ورجال الدين، وكانوا يَحْظَوْن من المصريين بكل الحب والتقدير، وهذا طبيعي فالشخصية المصرية معروفة بتدينها وسلميَّتِها، وكانت هذه السلطة وما يقابلها من تسليم وتقدير هى ما أدى إلى نتيجة معروفةٍ من تجبر وطغيان، فقد وصل الحال بالكهنة آنذاك إلى أن الكاهن يستطيع أن يطلب أي امرأةٍ لتنام معه حتى يعل قدرها، وتفضُل غيرها من النساء! ولكي يصل الكاهن إلى مكانته فلا بد أن يكون ملما بعلوم الدين والدنيا، إذ كان الكهنة أكثر الناس دراية بشئون الحياة من مناخٍ وزراعة وهندسة وكيمياء، وغيرها من العلوم الكثير والكثير، كما أن الكهنة كانوا هم المسئولين عن كل المراسم الجنائزية في البلاد، أيًا كان المتوفي، سواءً من أسرة الفرعون أو من الطبقة العادية، وقد عانى المصريون أشد المعاناة من ظلم الكهنة، حتى وصل بهم الأمر إلى اعتياد التعرض للظلم منهم، فلربما إذا عاد بنا الزمان لوجدنا كاهنا راكبا جواده وهو يصول ويجول بين حشود المصريين ضاربًا لهذا وذاك دونما اعتراض من المصريين المظلومين.

وبهذا نكون قد عرفنا إلى أى حد كان الكهنة يتمتعون بمكانة متميزة، فمن الناحية المعنوية هم يتمتعون بشيءٍ من القدسية، هذا طبعا بالإضافة لامتلاكهم ثروات البلاد آنذاك،ولما رأى فرعون ذات يومٍ رؤيا، وطلب من الكهنة أن يفسروا رؤياه، فعجز الكهنة عن ذلك، وما استطاع أحدٌ تفسير الرؤيا غير نبى الله يوسف – عليه السلام – فسرها بوحي من الله – عز وجل –، فكافأه الملك على ذلك بأن عينه مسئولا عن الزراعة والتخطيط لإدارة هذه الأزمة القادمة – أزمة الجفاف –، وهنا بدأ يوسف – عليه السلام – العمل لتخطى هذه الأزمة، فبدأ في زراعة القمح، وبناء المخازن، وابتكر حيلةً في غاية الذكاء، إذ أمر بتخزين القمح بسيقانه، وهي طريقة لم تكن معروفة آنذاك، إلا أن الكهنة رفضوا تبنى هذه الفكرة وقاموا بتخزين القمح بالطريقة المألوفة عندهم، وأما عن طبقة الأغنياء، فمنهم من وافق يوسف – عليه السلام – وخزن القمح بسيقانه، ومنهم اتبع الكهنة.

ثم تأتي السبع العجاف، فإذ بالسوس قد أفسد مخازن الكهنة وما بها من قمح، فيضطرعندها الكهنة لشراء القمح بما نهبوه من الناس من ذهب تحت مسمى المعبد، ثم تأتي الضريبة الثانية حيث يتحول الناس من عبادة آمون إلى عبادة رب السماوات والأرض – سبحانه وتعالى – وتسوء الأحوال بالكهنة، فيوضعوا في السجن، ويفقدوا معظم ثروتهم، وكان هذا هو الحال ذاته مع الأغنياء الذين اتبعوا الكهنة إذ فقدوا أموالهم في سبيل تأمين القمح لذويهم، وانتقلت السلطة من الكهنة ومن يحيطون بهم من أغنياء لتؤول إلى يوسف – عليه السلام – ومن معه من فقراء، وتتنفس مصر الصعداء بذهاب الكهنة، كانت تلك هي الهزة الأولى التي قلبت مصر رأسًا على عقب.

والمرة الثانية هي تلك الفترة التي حكم فيها محمد علي.

عندما أتى محمد على ليحكم مصر لم تعجبه أحوالها، وطريقة إدارة الموارد فيها، فقرر أن يغير هذه الأحوال إلى الأفضل، إذ جمع الناس بدوابّهم لحفر الترع، والقنوات، واستمرت لفترةٍ طويلةٍ، وكان الجميع معتادًا على الزراعة بمياه الأمطار، فلما رأوا هذا التغيير في الاعتماد في الزراعة علي مياه القنوات والمجاري المائية بدلًا من مياه الأمطار، ربما تضجر بعضهم ظانين أن في هذا هلاكا لهم ولذويهم، إلا أن هذا الضباب الكثيف قد أزيل بعدما رأى المصريون كافة ثمار هذا الجهد المتواصل، إذ وصلت الآن المياه إلى كل شبر في أرض مصر، لتكون الزراعة وقتها معتمدة على الساقية، والطمبور، والآلات الزراعية، وأصبحت الزراعة دائمة، وأُدخِلت أنواعٌ جديدة من المحاصيل.

وعلى الجانب العسكري، نجد أن محمد على قد بنى جيشًا قويًّا لمصر، فباتت مصر دولةً قوية اقتصاديا وعسكريا، وعلى المستوى الاجتماعي نجد أن طبقة الأغنياء المعارضين لمشاريع محمد على بدأت تتلاشى، كما تلاشت طبقة المماليك المعارضة لسياسة محمد على، وبدأت تظهر طبقات جديدة كرجال الجيش، ومسئولي الزراعة والري، ورجال الدولة.

وأما الهزة الثالثة لمصر فقد كانت في عهد جمال عبدالناصر، إذ إن جمال عبدالناصر كان قد تولى الحكم، وكانت طبقة ملاك الأراضي تسيطر على كل شيء آنذاك، ولم يُعجب جمال عبدالناصر هذا الوضع، فقرر أن يغير هذه الطبقية، وأن يحارب من أجل العدالة الاجتماعية، وكان من المستحيل أن يسلك طريق الزراعة بسبب ملاك الأراضي، إذ كان من المستحيل ان يتعاونوا معه وهو عدوهم الأول، فأراد جمال عبدالناصر أن يسلك طريقًا ىخر، وهو طريق الصناعة، فبدأت في عهدة نهضة صناعية كبرى، وأُنشئت العديد من المصانع، ودخلت عدد من الصناعات الثقيلة كصناعة الحديد والصلب، وصناعة الألومنيوم، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية كصناعة السكر، والصناعات العسكرية، كصناعة الطائرات.

ولما تستحكم أمور البلاد في يد جمال عبدالناصر يقوم بتوجيه عددٍ من الضربات القاسية لملاك الأراضي، منها قانون تحديد الملكية.

كما أن جمال عبدالناصر أنشأ السد العالي لتوفير كهرباء رخيصة الثمن للمصانع والمنازل، وللتحكم في مياه الفيضان، بالإضافة إلى تنظيمه شئون الزراعة، وإنشاء الجمعيات الزراعية، والبنوك الزراعية، كما أنه عمل على إمداد القرى والنجوع بالكهرباء والمياه النقية، إذ كانت هناك نسبا عالية من الوفيات جرَّاء الفشل الكلوي الناتج عن شرب المياه الملوثة.

استطاعت هذه المشاريع أن تخلق ملايين الفرص للمتعلمين، وغير المتعلمين، وهكذا دخلت مصر عالم الصناعة من أوسع أبوابه، الأمر الذي لم يعجب الدول الكبرى، فتكالبت هذه الدول لتدخل مصر في سلسلة من الحروب ، حتى تعمل على استنزافها اقتصاديا، وعلى الرغم من هذا فإننا نجد أن الثمرة الحقيقية لمشروع الراحل جمال عبدالناصر كانت بعدها بفترة، إذ بدأت تتلاشى طبقة ملاك الأراضي الزراعية، لتحل محلها طبقة المتعلمين، إذ رأينا الطبيب ابن الفلاح المصري، والمهندس، والمدرس، والمحامي، والقاضي، وكلهم من أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة، من أبناء الفلاحين وغيرهم، وكان السبب في هذاما قام به عبد الناصر من إنشاءٍللمدارس الإعداديه والثانويه في القرى، مما ساعد على نشر التعليم في القرى، وإتاحته لأبناء الفلاحين، وهكذا يمكننا القول بأن جمال عبدالناصر تمكن من بناء قوة صناعية في كافة المجالات، كما تمكن من بناء مجتمع متعلم، يسوده العدل والعدالة الاجتماعية، إذ تمك المتعلمون في عهده من تبوء مراكز قيادة الدولة، وما عادت طبقة ملاك الأراضي تتمتع بأي تميز اجتماعي، ويمكننا القول بأن هذه هي ثالث هزة حقيقية تهز المجتمع المصري، وتقلبه رأسا على عقب.

وأما عن الهزة الرابعة، فهي في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، كان مبارك في سدة الحكم لمصر، بعد ما يقارب من ثلاثين عامًا من الظلم والطغيان، رأى المصريون أنه لا بد من الثورة على هذا النظام، والذي أشعل غيظ المصريين هي المحاولات المتكررة من قبل حسني مبارك لتوريث السلطة لابنه جمال حسني مبارك، وكانت فترة حكم مبارك حافلة بالفساد، فرأينا في عهده حركة واسعة لبيع شركات القطاع العام، تلك الحركة التي عُرفَت وقتها باسم: "الخصخصة"، كما أن فترة حكم مبارك من أهم علاماتها هي سطوة رجال الأعمال، فنرى رجال الأعمال الكبار يحتكرون السلع الأساسية، ويتحكمون في أسعارها، إذ قاموا بشراء شركات القطاع العام في منتجات مثل السجاد، والحديد، والأجهزة الكهربائية، ثم رفعوا أسعارها كما يحلو لهم، فما عاد هناك منافسون لهم، فرأينا سعر الحديد يرتفع من تسعمائة جنيهٍ مصريٍّ ليصل لما يقارب ثلاثة عشر ألفا مصريًّا، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المنازل، وارتفعت نسبة البطالة في عهده، وأصيب قطاع المقاولات بما يشبه الشلل، لارتفاع أسعار خامت البناء، كما أنه أهمل قطاعات عديدة، مثل الصحة، والتعليم، وترك زمام الققيادة في يد ابنه جمال، وزوجته سوزان مبارك.