الطريق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 08:35 صـ 7 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الخروج من بئر سبع

طارق سعد
طارق سعد

أحد الكنوز الثمينة المفقودة في زحام الأرشيف الدرامي، والذي تم اكتشافه مؤخراً ليتم عرضه على الشاشة الصغيرة وكأنه عرض أول فيلقى اهتمام الجماهير، وتلتف حوله في موعده أمام الشاشة لتشاهد مباراة فنية من العيار الثقيل، أغلب هؤلاء المشاهدين لم يروها من قبل.

"السقوط في بئر سبع" أحد أعمال الدراما المأخوذة من ملفات المخابرات العامة، وهي الأعمال التي تحقق نجاحاً مضموناً لثراء الأحداث وقوتها، بجانب كونها أعمالا تستنفر الحس الوطني وتسرد بطولات وتكشف العملاء، ولكنه ظل منسياً لسنوات طويلة للدرجة التي تجد فيه نسبة كبيرة من الجمهور لا يعرف بوجوده من الأساس، وهو خطأ كبير للقائمين على شاشات المحطات الفضائية طوال تلك السنوات، بالأخص المحطات المتخصصة في عرض الدراما فهذا الخطأ الفادح يصل لدرجة الجُرم.

توقيت عرض المسلسل ساعد كثيراً في الاحتفاء به، وهو الذي ما يزال يحتفظ برونقه وسخونة أحداثه وكأنه مولودا دراميا جديدا، فأصبح المشاهد في حاجة لهذه النوعية من الأعمال التي تعرض بطولات أجهزته الأمنية والسيادية وتُفيق بداخله الحس الوطني والانتماء والثقة، وسط بيئة المؤامرات والتحريض التي أصبحت تحيط به من كل اتجاه منذ أحداث 2011.

عرض "السقوط في بئر سبع" على شاشة "دي إم سي" لا يليق به المرور مرور الكرام، ولكنه عرضاً يحمل دروساً عديدة في كل الاتجاهات، فإذا كانت المشاهدة للتشويق والمتعة فالخروج منه يثقلك بأهم هذه الدروس..

عملاً مخابراتياً من المتوقع أن يكون بطلاه من عتاولة التمثيل الدرامي ليقدما عملاً جاداً، إلا أنك تجد بطليه الرئيسيين من عتاولة الكوميديا، "إسعاد يونس" و"سعيد صالح"، يحترفا الخيانة ويمتهنا الجاسوسية ويصولا ويجولا في عمل وطني مهم، يفتحان فيه مدرسة للتمثيل تقام على ملعبها أكبر وأهم مباراة في الأداء.

أنت أمام مدرسة في الأصل هي الكوميديا، وبمجرد رؤيتهما فقط تنطلق الضحكات من أعماقك، ولكن عندما قررا "السقوط في بئر سبع" أصبحت ملامحك صارمة منتبهة تصل مشاعرك نحوهما لأعلى درجات الكره، وهي العبقرية في اختيار واجهة هذا العمل غير المتوقعة والمراهنة على عفريت الممثل الموجود بداخلهما.

المفارقة التى لم ينتبه لها أحد بطول هذا العمر الذي مر على المسلسل، أن اختيار بطلي العمل يحملان السعادة فأنت أمام "سعيد" و"إسعاد"، لتتحقق السعادة كاملة بثقل فني، وأهم درس وهو أن الممثل المحترف غير مصنف.. قد يغلب عليه في طبيعته صبغة تخصص ولكنه في الأصل "مشخصاتي" قادر على تقديم كل الأدوار وإقناعك بها.
ولأنك أمام مشخصاتية خرقت قانون الطبيعة فبقيت "إسعاد" الممثلة كوميديا وتراجيديا الكاتبة والمنتجة وأخيراً مقدمة البرامج حالة خاصة تسعدك في كل اتجاه لتبقى على المدى "صاحبة السعادة" لقباً وفعلاً.

درساً آخر تخرج به من "السقوط في بئر سبع" وهو البساطة التي كانت تطغى على الأعمال القديمة وهي سر نجاحها واستمرارها لعقود بنفس الوهج والقوة فبمقارنة هذه التفاصيل بما يصنع الآن من كم البهرجة والمنافسة في الإسراف للوصل لأعلى المستويات في الإنتاج ستكتشف أنك لا تملك من هذه النوعية من الأعمال المخابراتية إلا ما هو مسجل في أرشيف الدراما مثل "رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة" و"السقوط في بئر سبع" أما مصير محاولات الأعمال الجديدة بعدها هو السقوط في بئر النسيان!

أما أهم الدروس التي خرجت من "بئر سبع" هو أننا نحتاج لجرعات مكثفة من الأعمال التي تجسد بطولات جهاز المخابرات المصرية لحقن الانتماء واستنفار الروح الوطنية وتنبيه الوعي باستمرار لما يحاك حولنا من مؤامرات واستهداف متواصل وإظهار قوة أجهزة الأمن والدفاع المصرية والتأكيد عليها ومن جهة مقابلة تذكير العدو باستمرار بهذه الضربات الموجعة وبث الرهبة من تيقظ هذه الأجهزة القادرة على كشف ومحاسبة المتعاونين مع أي عدو تحت أي تصنيف.

"السقوط في بئر سبع" القادم من الأرشيف المُهمَل للدراما المصرية بمثابة جرس إنذار قوي لإعادة فرز الأعمال الـ "مركونة" وإعادة عرض ما يستحق منها بدلاً من الدوران في دائرة مجموعة محدودة من الدراما القديمة وإعادتها ثم إعادتها مئات المرات وإهمال كنوز الأرشيف الدرامي.

الخروج من "بئر سبع" بكل هذه التفاصيل سيعيد تشكيل الشاشة وصناعتها ... لذا لزم التنويه!