الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 08:42 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

حضرة المحترم .. أشرف عبد الباقي

طارق سعد
طارق سعد

قليلون من يعيشون بين الناس بلا صراعات .. وبين النجوم قليلون من لا تفتنهم الأضواء والشهرة .. يسيرون في طريقهم بلا ضجيج .. لا يخوضون صراعات .. لا يزرعون شروراً ولا يحصدون عداوات .. قليلون فقط من يجبرونك على احترامهم.

"أشرف عبد الباقي" أحد رموز هذه القلائل الذي يحمل اسمه قدراً كبيراً من الاحترام والتقدير لدى جمهور فهو من العملات النادرة التي بمجرد ذكر اسمه فقط ترتسم البسمة على وجهك دون سبب وتقتحم الفرحة حالتك دون استئذان .. هذا ما زرعه "أشرف عبد الباقي" بطول مشواره الفني في علاقته مع جمهوره وزملاءه وحصد به حباً واحتراماً بقدر قد لا يستوعبه هو نفسه من كبره وخصوصيته.

أكثر ما يميز "أشرف" طوال عمره داخل وخارج الفن هو الرضا والقناعة والبراءة أيضاً فنقاءه جعله يقفز للصفوف الأولى مبكراً حتى وإن لم يكن بطلاً في بداياته إلا أنه كان يسرق انتباه المشاهد ويجعله يبحث عنه لأدائه الذي يحمل بصمته الخاصة.

لم يشغل "أشرف" في طريقه صراعات الفن ولا عقد النجومية فهو من الفنانين القلائل الذين عملوا بلا تخطيط ومنافسات وأحقاد فما يصل إليه دائماً هو القمة بالنسبة له حتى وإن لم يكن كذلك في الحقيقة ولكنه كان مفتاحه السحري للوصول إلى القمم الحقيقية.

دائماً ما يُسأل "أشرف" عن مدى قناعته بمكانته ورضاه عما وصل إليه مقارنة بحجم موهبته فدائماً إجابته واحدة مدهشة وهي أنه راضِ تماماً عن مشواره كاملاً بإخفاقاته قبل نجاحاته .. منطقة التصالح الكبرى مع النفس التي يستوطنها "أشرف" جعلته قريب من القلوب فلا يدعي بطولات ولا يزيف حقائق ولا يقوم بـ "نفخ" نفسه .. هو دائماً الإنسان البسيط القنوع المتصالح مع الواقع وأحكامه بلا صرخ ولا عويل ولا الدخول في مهاترات فيقبل النقد مهما كانت قسوته .. يتألم نعم .. يرد بإساءة أو جرح مستحيل وبين هذا وذاك تجده يدرس هذا النقد جيداً حتى وإن لم يكن على هواه ليقف أمام نفسه ويرى نفسه في أعين المحيطين.

قد يتفاعل مع مهاجميه ويحاول أن يفهم سر الهجوم ولكنه لا يشد أجزاءه ويصنع أرضاً للمعركة ليعلن منها الحرب .. يحاول دائماً تفهم ما لا يعجب جمهوره أو زملاءه أو أساتذته ليقارنه بقناعاته ورضاه عن ما يقدمه .. ميزانه حاضر دائماً وجاهز للعمل.

واجه "أشرف" هجوماً حاداً بعد انخفاض مستوى المواسم الأخيرة لمشروعه الفني "مسرح مصر" .. هجوماً تخطى أحياناً اللباقة وحدود الأدب لتجده دائماً مبتسماً لا يرد الإساءة أو يعادي أحداً معترفاً ببعض القصور ويبحث عن معالجته حتى وإن لم يسعفه الوقت ولكن يكفيه صراحته أمام نفسه وهو ما ظهر واضحاً بشدة لصاحب هذه السطور في نقده الحاد للمواسم الأخيرة لـ "مسرح مصر" ولكنه كان نقداً "بالأصول" بما له وما عليه لتكون المفاجأة في تفهم "أشرف" لما تم طرحه حتى وإن كان بقسوة ليتواصل ويؤكد أنه سعيد بالنقد البناء – كما وصفه – وأنه ما يحتاجه الفنان ليعرف أين يقف وتجده بكل تواضع يعترف بكل الأخطاء الفنية المطروحة ويعد بتصحيحها بل أخذ قراراً بالفعل ويعود بكل أدب منتقياً كلماته ليعترض على بعض نقاط أزعجته في هذا النقد ويحاول تصحيح الصورة فتشعر أنك أمام فنان قدير وواعٍ لأهمية النقد طالما كان مهنياً يعطيه حقه تماماً بلا أي انتقاص ولكنه يعرض قصوراً ما ويطالبه بعلاجه ليعود ويؤكد بنفسه أنه يستطيع التفرقة جيداً بين ما يُكتب بدافع الحب والغيرة على مكانته وبين الهجوم الخبيث لأغراضٍ أخبث لتكتشف بعد ذلك تحققيه لأهم مطالب نقد صاحب هذه السطور وتكوينه مسرحاً جديداً بوجوه جديدة يحقق به نجاحات مسرحية حقيقة تنال إشادة الجميع بلا استثناء ويطور مسرحة بأفكار مبتكرة ليزيد نجاحه ويحفر اسمه على جدران المسرح ويعلو خشبته بكل اقتدار ممثلاً ومخرجاً.

هذا هو سر نجاح واستمرار "أشرف عبد الباقي" حتى وإن لم يصادقه الحظ في السينما بالرغم من نجاح أفلامه في عرضها على الشاشات إلا أنه يعترف بـ "قلة بخته" معها متصالحاً مع فكرة تقديمه أعمالاً في بعض الأحيان للتغلب على الظروف المادية والتزاماتها .. وما المانع فمن كبار النجوم من خاصمتهم السينما وعلى رأسهم "محمد صبحي" و"سمير غانم" .. "أشرف" يرى أعمالاً له سيئة بالرغم من تحقيقها نجاحاً مقبولاً حتى في تَهدُم حلمه بتقديم عملاً خالداً عن أسطورة الكوميديا "إسماعيل يس" بعد أن اغتالته أيادي صناعه وظلموا "أشرف" تجده أيضاً راضياً ومعترفاً أنه لم يكن بالمستوى الذي تمناه ليواجه سؤالاً في حواراً تليفزيونياً عن كونه يستحق مكانة أفضل بإجابة مفاجئة وهي أنه يرى أنه في المكانة الأفضل.

نقاء "أشرف" دفعه ليرى نفسه في أعلى مكانة طالما يجلس أمام المذيعة ضيفاً في برنامجها الكبير تطلبه وتحاوره .. يرى أنه لا يقارن نفسه بأحد ولكل نجم وضعه .. "أشرف" الذي أقر أن الرزق واحد مقسم في أكثر من جهة وأهمها الصحة فطالما يستطيع الوقوف على قدميه فهو قادر على العمل والكسب وهو أهم رزق مستشهداً بوجوده نجماً في آخر أعمال الراحل "علاء ولي الدين" المسرحية وبلغة الفن " شايل المسرحية" ولكن في نهاية العرض طلب منه المخرج أن يقوم "علاء" بتحية الجمهور أخيراً وهو ما يعني أنه نجم العمل ليوافق فوراً دون اعتراض فكان يرى "علاء" مريضاً لا يستطيع مجرد ارتداء حذاءه من تضخم قدمه ويرتدي "شبشب" مع البدلة فأكد أنه لا يريد نجوميته لأنها ستكون كاملة بكل ما فيها بالمرض .. هكذا فكر "أشرف" وهكذا حقق من اسمه "الشرف" في تفكيره.

دروساً كثيرة وكبيرة أعطاها "أشرف عبد الباقي" للجميع مشاهدين وزملاء دون قصد ولا ترتيب .. بالفطرة قدم نموذجاً إنسانياً محترماً يمتهن ما يحب راضياً بما يكافئه به الله على مجهوده في عمله لتجد أن سؤال المذيعة له عن المكانة التي يستحقها ليس مجرد سؤالاً ولكنه الحقيقة .. حقيقة "أشرف عبد الباقي" الذي يحبه الجميع ويراه بعين أكبر بكثير مما يرى بها نفسه وصلت لغيرة محبيه وجمهوره عليه التي فاقت غيرته نفسه على نفسه .. فقط يحتاج تواصلاً أكثر مع جمهوره!

"حضرة المحترم" عمل درامي هو أفضل أعمال "أشرف" على مدار مشواره الفني كاملاً ولكن ......

"حضرة المحترم .. أشرف عبد الباقي" هو أفضل أعماله على مدار مشوار حياته.

موضوعات متعلقة