الطريق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 07:50 مـ 14 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

إلا قليلًا

حسام مصطفى إبراهيم
حسام مصطفى إبراهيم

سألني صديقي عن الوصول إلى الأشياء بعد أوانها، وهل الزمن عامل حاسم في قراراتنا وقدرتنا على تذوقها والإحساس بها؟

ورأيي أن الحياة الدنيا عمومًا ليست للنوال -بالطريقة الطفولية التي نتصورها- ولا الوصل والتحقق والانتصار -مهما كان رصيدُنا من متعها- لكن للتدريب على ضبط النفس والفقد والكفّ والامتناع والتخلي، ورؤية المرغوب والترفع عنه بالزهد والاستغناء أو بالقناعة أو إدراك عدم جدوى الوصول إليه في الأساس.

بمعنى آخر، مهمتنا السعي إلى تغيير برمجة الطبيعة الإنسانية الفطرية داخلنا وخوارزمية تشغيلها، ونقلها من أقصى الشمال لأقصى اليمين، إذ خُلقنا في مرحلة وسط بين الملائكة والشياطين، وعلينا أن نمدّ الخطى للالتحاق بأحد الرَكبين في النهاية، حسب جبلتنا التي رُكِّبت فينا وما تستحقه أعمالنا.

في البداية، وتحت وطأة العقل الجمعي وجينات الإنسان البدائي تحت جلدنا -الذي كانت أقصى طموحاته تجنّب الألم وتحقيق المتعة- نغتر ونتصوّر سعادتنا في امتلاك ما نريده، لكن بعد قليل نفهم أن هذا كله زيف، تغفيل، تخييل لنات كي نكمل اللعبة وفق السيناريو الأزلي، ونمشي في المسارات المحددة سلفًا لنا، بمعنى أدق: "الجزرة" التي تهزها الحياة أمام عيوننا لنظل نجري ونتكاثر ونُعمّر الأرض ونقدم مزيدًا من الوقود لماكينة الدنيا الجبارة، فتجري علينا أقدار الله!

وكلما أصبحت نهمًا أكثر، ومغرورًا أكثر، وجاهلًا أكثر، تسعى إلى تجارب أكثر، فتنال أكثر، وتُخذل أكثر، حتى تجد في النهاية غير قادر لا على حيازة حياة كاملة حقيقية متمكنة ومشبعة، ولا كف رغباتك وفرملتها عند حد معين، مثل المخدرات تماما؛ فالدنيا مخدرات، والحب مخدرات، والجنس مخدرات، والطموح مخدرات، والقبول المجتمعي مخدرات، والشهرة مخدرات، والفلوس مخدرات!

أضف إلى هذا أن أغلبنا ينفق قدرًا لا بأس به من عمره في مطاردة الأهداف الخطأ، وتحقيق الغايات التي ليست على مقاسه، واللف والدوران فيدوائر العُرف والواجب والعادات و"الناس هتاكل وشّنا"!

والحل؟ حل صوفي عميق يتلخّص في استخلاص نفسك تمامًا من كل ما حولك، والتركيز على الهدف الأهم والأكثر استدامة وحقيقية ومنطقية: الآخرة، أو الأقرب لطبيعة البشر : (إلا من اغترف غُرفة بيده)، لكن هل يقدر جميعنا على هذا؟ الإجابة في تكملة الآية الكريمة (فشربوا منه إلا قليلا منهم).

"إلا قليلًا"منّا يا صديقي.