الطريق
الجمعة 29 مارس 2024 11:51 صـ 19 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

نحو مجتمع خال من الاضطرابات النفسية.. طرق تعزيز الصحة النفسية

الصحة النفسية
الصحة النفسية

تعد الخدمات النفسية من أهم مخرجات العلوم النفسية التى يقدمها المختصون فى مختلف مجالات علم النفس للأشخاص سواء أكانوا فى شكل أفراد أو جماعات، وذلك بهدف تحقيق الأمن النفسى لديهم بما يضمن رفاهيتهم النفسية والتى هى مبتغى أى فرد اليوم، خاصة وأن تلك الخدمات ورغم تنوعها واختلافها إلا أنها تسعى لتحقيق أهداف مشتركة تدور حول الإنسان بالدرجة الأولى وتحقيق ذاته. وتسعى الخدمات جاهدة إلى التركيز على تعزيز الصحة النفسية كإستراتجية للوقاية من الاضطرابات النفسية، وهو الاتجاه الإيجابى الحديث فى ظل دراسات علم النفس الإيجابى، ولم يعد ذلك التعزيز مجرد بروتوكول نفسى بل أضحت دعامة نفسية أساسية ليس لعلاج المشكلة بل وللوقاية من الاضطرابات النفسية.

واصبح المبتغى الأساسى اليوم هو مجتمع خال من الاضطرابات النفسية والأمراض المختلفة، ولن يكون ذلك إلا من خلال العديد من إستراتجيات الوقاية والتى تعد عملية تعزيز الصحة النفسية أحد أهم مجالاتها خاصة وأن ذلك ممكن من خلال العديد من الخدمات النفسية التى من شأنها بلورة الصحة النفسية فى المجتمع ما يجعله مقاوما لمختلف ما يعترضه من مشكلات واضطرابات نفسية. فكيف تساهم الخدمات النفسية فى تعزيز الصحة النفسية بما يخلق مجتمع خالى من الاضطرابات النفسية؟

مفاهيم متعلقة بالصحة النفسية

الصحة النفسية هى حالة من الرفاه النفسى تمكن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلم والعمل بشكل جيد، والمساهمة فى مجتمعه المحلى. وهى جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذى نعيش فيه. والصحة النفسية هى حق أساسى من حقوق الإنسان. وهى حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية.

والصحة النفسية لا تقتصر على غياب الاضطرابات النفسية.

فهى جزء من سلسلة متصلة معقدة، تختلف من شخص إلى آخر، وتتسم بدرجات متفاوتة من الصعوبة والضيق، وبحصائل اجتماعية وسريرية يحتمل أن تكون مختلفة للغاية.

وتشمل اعتلالات الصحة النفسية الاضطرابات النفسية وحالات الإعاقة النفسية الاجتماعية، فضلا عن الحالات النفسية الأخرى المرتبطة بالضيق الشديد أو ضعف الأداء أو خطر إيذاء النفس.

ومن المرجح أن يعانى الأشخاص المصابون باعتلالات الصحة النفسية من تدنى مستويات الراحة النفسية، ولكن لا يحدث هذا دائما أو بالضرورة.

محددات الصحة النفسية
قد تتشكل طوال عمرنا توليفة من المحددات الفردية والاجتماعية والهيكلية المتعددة لحماية صحتنا النفسية أو تقويضها وتغيير موقعنا فى السلسلة المتصلة للصحة النفسية.

إن العوامل النفسية والبيولوجية الفردية مثل المهارات العاطفية وتعاطى مواد الإدمان والوراثيات يمكن أن تجعل الأفراد أكثر عرضة لمشاكل الصحة النفسية.

كما أن التعرض لظروف اجتماعية واقتصادية وجيوسياسية وبيئية غير مواتية - بما فى ذلك الفقر والعنف وعدم المساواة والحرمان البيئى - يزيد من خطر إصابة الأفراد باعتلالات الصحة النفسية.

ويمكن أن تظهر المخاطر فى أى مرحلة من مراحل العمر، بيد أن تلك التى تحدث خلال فترات النمو الحساسة، ولا سيما أثناء الطفولة المبكرة، ضارة بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، من المعروف أن التنشئة القاسية والعقاب البدنى يقوضان صحة الطفل وأن التخويف يشكل عاملا من عوامل الخطر الرئيسية المسببة لاعتلالات الصحة النفسية.

وبالمثل، فإن ثمة عوامل وقائية تنشأ طوال عمرنا وتتيح تعزيز قدرتنا على الصمود، وتشمل مهاراتنا وسماتنا الاجتماعية والعاطفية الفردية، فضلا عن التفاعلات الاجتماعية الإيجابية والتعليم الجيد والعمل اللائق والأحياء الآمنة والتلاحم المجتمعى، وغير ذلك.

وتتجلى مخاطر الصحة النفسية والعوامل الوقائية فى المجتمع بمستويات متفاوتة.

وتزيد التهديدات المحلية من شدة المخاطر التى يتعرض لها الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية، فيما تزيد التهديدات العالمية من شدة المخاطر التى يتعرض لها السكان ككل، وتشمل الركود الاقتصادى وفاشيات الأمراض والطوارئ الإنسانية والتشريد القسرى وأزمة المناخ المتنامية.

ويتسم كل عامل خطر وكل عامل وقائى بقوة تنبؤية محدودة. ولا يصاب معظم الأفراد باعتلالات فى صحتهم النفسية على الرغم من تعرضهم لعامل من عوامل الخطر، فى حين أن العديد من الأفراد يصابون بها على الرغم من عدم تعرضهم لأى عامل خطر معروف.

فمحددات الصحة النفسية المتفاعلة فيما بينها هى التى تعزز الصحة النفسية أو تقوضها.

تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية
ترمى التدخلات فى مجال تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية إلى تحديد المحددات الفردية والاجتماعية والهيكلية للصحة النفسية، ثم التدخل من أجل الحد من المخاطر وبناء القدرة على الصمود وتهيئة بيئات داعمة للصحة النفسية. ويمكن تصميم التدخلات خصيصا للأفراد أو فئات محددة أو للفئات السكانية بأسرها.

إن إعادة تشكيل محددات الصحة النفسية غالبا ما تتطلب اتخاذ إجراءات تتجاوز نطاق قطاع الصحة، ومن ثم فإنه ينبغى أن تشمل برامج تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضطرابات النفسية قطاعات التعليم والعمل والعدالة والنقل والبيئة والإسكان والرعاية الاجتماعية. ويمكن لقطاع الصحة أن يسهم إسهاما كبيرا بدمج جهود التعزيز والوقاية فى الخدمات الصحية؛ والدعوة إلى التعاون والتنسيق المتعددي القطاعات والشروع فيهما، وتيسيرهما عند الاقتضاء.

وتشكل الوقاية من الانتحار أولوية عالمية، وهى مدرجة فى أهداف التنمية المستدامة. ويمكن إحراز تقدم كبير فى هذا المجال بتقييد الوصول إلى وسائل الانتحار، وعرض مواد إعلامية مسؤولة بشأن الانتحار، والتعلم الاجتماعى والعاطفى لدى المراهقين، والتدخل المبكر. ويعد حظر استعمال مبيدات الآفات الشديدة الخطورة تدخلا غير مكلف وعالى المردودية بشكل خاص للحد من معدلات الانتحار.

ويمثل تعزيز الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين أولوية أخرى يمكن تحقيقها عن طريق السياسات والقوانين التى تعزز الصحة النفسية وتحميها، من خلال دعم القائمين على الرعاية فى توفير الرعاية فى مرحلة التنشئة، وتنفيذ البرامج المدرسية، وتحسين نوعية البيئات المجتمعية والإلكترونية. وتعد برامج التعلم الاجتماعى والعاطفى المدرسية من بين أكثر الاستراتيجيات فعالية فى مجال تعزيز الصحة النفسية للبلدان من جميع مستويات الدخل.

ويعد تعزيز وحماية الصحة النفسية فى مكان العمل مجالا يحظى باهتمام متزايد ويمكن دعمه من خلال التشريعات واللوائح، والاستراتيجيات التنظيمية، وتدريب المديرين، والتدخلات لدى العمال.

الرعاية والعلاج فى مجال الصحة النفسية

فى سياق الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز الصحة النفسية، من الأساسى حماية راحة الجميع النفسية وتعزيزها، ولكن أيضا تلبية احتياجات الأشخاص المصابين باعتلالات الصحة النفسية.

وينبغى القيام بذلك فى إطار رعاية الصحة النفسية المجتمعية، التى يعد الحصول عليها وقبولها أسهل مقارنة بالرعاية المؤسسية، والتى تساعد على منع انتهاكات حقوق الإنسان وتحقق حصائل أفضل من حيث التعافى للأشخاص المصابين باعتلالات الصحة النفسية. وينبغى توفير الرعاية الصحية النفسية المجتمعية عن طريق شبكة من الخدمات المترابطة التى تشمل:
خدمات الصحة النفسية التى تدمج فى الرعاية الصحية العامة، ويتم ذلك عادة فى المستشفيات العامة ومن خلال تقاسم المهام مع مقدمى خدمات الرعاية غير المتخصصين فى قطاع الرعاية الصحية الأولية؛
خدمات الصحة النفسية المجتمعية التى قد تشمل مراكز وفرق الصحة النفسية المجتمعية، والتأهيل النفسى الاجتماعى، وخدمات دعم الأقران، وخدمات المعيشة المدعومة؛
الخدمات التى توفر رعاية الصحة النفسية فى إطار الخدمات الاجتماعية وفى السياقات غير الصحية، مثل خدمات حماية الطفل، وخدمات الصحة المدرسية، وخدمات السجون.

إن الفجوة الكبيرة فى رعاية اعتلالات الصحة النفسية الشائعة مثل الاكتئاب والقلق تعنى أنه يجب على البلدان إيجاد طرق مبتكرة لتنويع الرعاية المقدمة للمصابين بهذه الاعتلالات وتوسيع نطاقها، وذلك من خلال المشورة النفسية غير المتخصصة أو المساعدة الذاتية الرقمية مثلا.

استجابة منظمة الصحة العالمية

تلتزم جميع الدول الأعضاء فى المنظمة بتنفيذ "خطة العمل الشاملة للصحة النفسية 2013-2030"، التى تهدف إلى تحسين الصحة النفسية بتعزيز القيادة والحوكمة الفعالتين، وتوفير رعاية مجتمعية شاملة ومتكاملة ومستجيبة، وتنفيذ استراتيجيات فى مجال التعزيز والوقاية، وتعزيز نظم المعلومات والبينات والبحوث. وفى عام 2020، أظهر تحليل "أطلس الصحة النفسية 2020" الذى أجرته المنظمة لأداء البلدان مقارنة بخطة العمل، أن التقدم المحرز غير كاف لتحقيق الغايات المحددة فى خطة العمل المتفق عليها.

ويدعو "التقرير العالمى عن الصحة النفسية: إحداث تحول فى الصحة النفسية لصالح الجميع" الصادر عن المنظمة جميع البلدان إلى الإسراع فى تنفيذ خطة العمل. ويذهب التقرير إلى أنه يمكن لجميع البلدان أن تحقق تقدما مجديا فى تحسين الصحة النفسية لسكانها بالتركيز على ثلاثة "مسارات تحول"، وهى:
زيادة القيمة التى يوليها الأفراد والمجتمعات المحلية والحكومات للصحة النفسية؛ ومطابقة هذه القيمة مع التزام جميع الجهات صاحبة المصلحة ومشاركتها واستثماراتها فى جميع القطاعات؛
إعادة تشكيل الخصائص المادية والاجتماعية والاقتصادية للبيئات - فى المنازل والمدارس وأماكن العمل والمجتمع المحلى الأوسع نطاقا - من أجل حماية الصحة النفسية على نحو أفضل والوقاية من اعتلالات الصحة النفسية؛
تعزيز رعاية الصحة النفسية بحيث يتسنى تلبية المجموعة الكاملة من احتياجات الصحة النفسية من خلال شبكة مجتمعية من الخدمات والدعم عالية الجودة ويسهل الوصول إليها بأسعار معقولة.

وتركز المنظمة بشكل خاص على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وتمكين الأشخاص ذوى التجارب المعاشة، وضمان اتباع نهج متعدد القطاعات ومتعدد الجهات صاحبة المصلحة.

وتواصل المنظمة العمل على الصعيدين الوطنى والدولى، بما فى ذلك فى السياقات الإنسانية، على تزويد الحكومات والشركاء بالقيادة الاستراتيجية والبينات والأدوات والدعم التقنى اللازمة لتعزيز الاستجابة الجماعية فى مجال الصحة النفسية والتمكين من إحداث تحول صوب تحسين الصحة النفسية للجميع.

اقرأ أيضا: لو رايح المصيف.. اعرف طرق الحفاظ على صحتك والوقاية من أمراض الصيف..«خاص»

موضوعات متعلقة