الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 02:35 صـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

تاريخ الجزائر في البوكر العربية

إيمان صبري
إيمان صبري

منذ أن تم الإعلان عن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر، تمنيت أن تكون جزائرية؛ لما لهذه الأقلام من تميز في أساليب تناول الموضوعات، بالإضافة إلى أن قائمة البوكر شهدت للمرة الأولى أربع مشاركات للأدب الجزائري هذا العام.

وبالفعل صابت توقعاتي وفازت رواية «الديوان الإسبرطي»، للكاتب «عبدالوهاب عيساوي»، الصادرة في طبعة مصرية عن مكتبة تنمية، لتصبح البوكر للمرة الأولى جزائرية، الأمر الذي دفعني للبحث في مشاركات الجزائر خلال الدورات السابقة، فإذا بها من أكثر الدول العربية حضورا في تسع دورات من خلال 13 عمل أدبي طرحت موضوعات متنوعة سوف يكتشفها القارئ أثناء جولتنا التالية..

«يوم رائع للموت»_ القائمة الطويلة 2010

حالة من اليأس انتابت «حليم»، فالحياة لا تبشره بغد أفضل مما عاناه في الماضي، واعتاد مواجهته بشتى الطرق حتى كان القرار الأخير بالانتحار، كانت هذه الفكرة نقطة انطلاق أحداث رواية «يوم رائع للموت»، للكاتب «سمير قسيمي»، التي تبدو للوهلة الأولى حكاية عادية، نقرأ عنها يوميا في صفحات الحوادث، لكن أن يضع البطل خطة وموعدا محدد لإنهاء حياته ثم يقف على بعد خطوات من التنفيذ ليعيد النظر في كل ما عايشه، هذا ما يبدو غريبا على الأذهان..

اتخذ الكاتب من هذه الوقفة، ومن حياة هذا الصحفي الشاب رمزا للتعبير عن فئة كاملة تعيش على هامش الحياة لا ينالون أبسط حقوقهم الإنسانية، بالإضافة إلى طرح الكاتب للعديد من التساؤلات حول قيمة الحياة ومعنى الموت للإنسان؛ هل تختلف نظرتنا للحياة كلما أقترب الموت، نتشبث بها أم نزداد رغبة في التخلص منها؟! وهل تتأثر نظرتنا للحياة والموت باختلاف الظروف والتجربة؟! وما هي المشاعر والأفكار التي تتضارب في الصدور والعقول ونحن على الحافة الفاصلة بين الموت والحياة؟!

«البيت الأندلسي»_ القائمة الطويلة 2011

لا يملك "مراد"، شيئا ذات قيمة حقيقية سوى منزل يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر، وما بين عروض سخية ومؤامرات الهدف الوحيد منها هو التنازل عن هذا المنزل يعيش معاناته اليومية، لتبدأ أحداث رواية «البيت الأندلسي»، للكاتب «واسيني الأعرج»، الذي ينطلق من هذا المنزل العتيق يروي أكثر من حكاية؛ يحدثنا عن أحد الموريسكيين النازحين من الأندلس إلى الجزائر لبناء حياة جديدة يعاصر خلالها الاحتلال الفرنسي ومراحل النضال التي استمرت سنوات طويلة.

ثم يعود الكاتب إلى الحاضر يرصد التغيرات التي شهدها هذا الوطن، وبمرور الأحداث يكتشف القارئ أن مراد ما هو إلا رمز لهؤلاء المحافظين على التراث ولولاهم لتغيرت ملامح أوطاننا وأصبحنا بلا تاريخ وهوية، والمنزل العتيق ما هو إلا صورة مصغرة للجزائر بل للوطن العربي الذي شهد العديد من الهزائم والانتصارات، فالرواية توثيق لثلاث حقب تاريخية؛ ملك ضائع، وتاريخ مشرف، وحاضر ممزق بين الاثنين.

«دمية النار»_ القائمة القصيرة 2012

رجال الأمن هم القوة الحقيقية للسلطة الحاكمة، تلك القاعدة من أهم دعائم كافة أنظمة الحكم الديكتاتورية في كل زمان ومكان، وهي الفكرة التي تقوم عليها أحداث رواية «دمية النار»، للكاتب «بشير مفتي»، الذي يطرق أبواب هذا العالم من خلال «رضا شاوش»، شاب عاش طيلة حياته يتنصل من تاريخ والده السياسي، حتى جاءت تلك اللحظة التي غيرت مجرى الأحداث حين أنضم "رضا" إلى أحد التيارات السياسية، ليصبح هو الآخر من رجال السلطة في زمن آخر بدوافع مختلفة، فيضعنا الكاتب أمام حقيقة قاسية؛ أننا قد نصبح صورة أخرى من هذا الإنسان الذي طالما انتقدناه دون أن نتعلم كيف نتجنب أخطاءه، فالأب والابن ما هم إلا وجهان لعملة واحدة، كل منهم كان الدمية التي تشعلها السلطة نارا وتقذف بها معارضيها، ترى من منا الدمية الجديدة؟!

«أصابع لوليتا»_القائمة الطويلة 2013

أصدق العلاقات تلك التي تنشأ بين السطور؛ حين يتحو ل الكاتب إلى صديق تتمنى أن تلتقي به على أرض الواقع، من خلال هذه العلاقة النادرة تنطلق أحداث رواية «أصابع لوليتا»، للكاتب «واسيني الأعرج»، من خلال "يونس"، كاتب شهير لجأ إلى فرنسا هربا من تهديدات بالقتل يتلقاها من جهات متعددة، يلتقي واحدة من قراءه،"لوليتا"، عارضة الأزياء التي تصبح ملاذه من قسوة الغربة والملاحقات الإرهابية، وبمرور الأحداث تتحول الرواية إلى توثيق للتاريخ السياسي وظهور الخطاب الديني المتطرف في الجزائر، لكن الكاتب استطاع أن يخفف حدة هذه الأحداث من خلال تسليط الضوء على حكايات بعض اللوحات الشهيرة، والمقطوعات الموسيقية، وملامح عالم الموضة والأزياء، لكن سيظل أهم ما يميز هذا العمل؛ أتفاق بعض القراء والنقاد أن الرواية جزء من السيرة الشخصية للكاتب "واسيني الأعرج"، لما هناك من تشابه في بعض النقاط بينه وبين بطل الأحداث.

«حادي التيوس»_ القائمة الطويلة 2013

آفة مجتمعاتنا العربية أن البعض يتخذون من الدين ستارا وقناع يخفون وراءه مطامعهم غير الأخلاقية، يحاول الكاتب «أمين الزاوي»، إزاحة الستار عن بعض الوجوه في رواية «حادي التيوس»، من خلال حكاية ثلاث فرنسيات يدخلن الإسلام بدوافع مختلفة، يتعرضن لإغراءات متعددة من ثلاثة رجال كل منهم يرتدي ثوبا مختلفا لتحقيق أهدافه، من يرتدي عباءة الدين ومن يدعي امتلاك حقائق التاريخ المطلقة، فيرصد الكاتب من خلالهم كيف يجيد البعض تأليف الأكاذيب المغلفة بالدين ويفرضها على الناس، ثم يكشف خطأ تلك القاعدة التي تدعي أننا مجتمعات متدينة بطبعها؛ فالبعض منا توارث الدين وطوعه لخدمة أغراضه، لكن ستظل الفئة الأسوأ على الإطلاق من يتبنون الدفاع عن تلك الآراء ويضفون على أصحابها هالة من القدسية.

«رماد الشرق: الذئب الذي نبت في البراري»_ القائمة الطويلة عام 2014

هذا العمل الروائي وهو الجزء الثاني لرواية "خريف نيويورك"، يرصد الكاتب «واسيني الأعرج»، من خلالها حكاية"جاز"، موسيقي بدأ التعرف على حقيقة تاريخه العربي حين بدأ يؤلف مقطوعة موسيقية كل جزء منها يعبر عن قضية محددة، يتتبع الكاتب خيوط الحكايات بالوقوف طويلا أمام سيرة "بابا شريف"، الجد الذي عايش الإحتلال الفرنسي والإنجليزي وصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي أحكم قبضته على فلسطين، فيعيد الكاتب ترتيب أهم الأحداث التاريخية التي شهدها الوطن العربي خلال القرن العشرين، بالإضافة إلى رصد معاناة الشعوب تحت وطأة الإحتلال الذي اختلفت ألوان أعلامه وتوحدت أهدافه، إحتلال لم ينتهي فمازال انتماء البطل لأصول عربية يعرضه لاضطهادات لم ولن تنته.

«الساق فوق الساق»_ القائمة الطويلة 2018

يرصد الكاتب «أمين الزاوي»، من خلال أحداث رواية "الساق فوق الساق"، كيف يستطيع الخلاف حول الانتماءات السياسية أن يفرق بين أبناء عائلة واحدة، من خلال تتبع سيرة ثلاثة أجيال، تبدأ برحلة الجد الموريسكي الهارب من نار محاكم التفتيش، ثم يرصد أحداث الثورة الجزائرية وصولا إلى تلك الحالة من التخبط والاختلاف التي تتبع الثورات، ليكتشف القارئ أن هذه الأسرة رمز لوطن واحد تختلف اتجاهات أبنائه، تلك الحالة قد تتحول إلى نار تحرق هذا الوطن، وهذا بالفعل ما حدث في الأندلس، فالرواية تعقد مقارنة بين حقبتين من التاريخ عاشتهم نفس الأسرة لكنها لم تعتبر مما حدث.

«ليالي إيزيس كوبيا»_ القائمة الطويلة 2019

هذه الرواية سيرة ذاتية واضحة عن الأديبة الراحلة "مي زيادة"، فقد سلط الكاتب «واسيني الأعرج»، الضوء على جانب مظلم في حياتها؛ فقد كانت الأديبة المرموقة أول من دفعت ثمن محاولات البعض للقضاء على أي طاقة نور تغير مصير مجتمعاتنا للأفضل،لتتحول الرواية إلى توثيق حي لملامح تلك المرحلة، والصعوبات التي واجهها قادة التنوير في هذا الوقت، بالإضافة إلى رصد علاقاتها بأهم كتاب وفناني تلك الفترة مثل طه حسين، العقاد، جبران خليل جبران، ونجيب الريحاني، ثم يذهب بنا إلى معاناتها بين جدران مستشفى الأمراض العقلية التي دفعها إليها بيد أحد المقربين منها، ليكشف من خلال تلك المعاناة كيف وقف البعض ينظر إلى معاناتها مكتوف الأيدي، وكيف خذلها آخرون معتمدين على موت الحكاية بمرور الأيام، نسي هؤلاء أنها كانت تملك أقوى الأسلحة على مر العصور؛ كان لديها قلم وذاكرة وقدرة على الكتابة حولت مواقفهم إلى شاهد عليهم إلى الأبد.

«أنا وحاييم»_ القائمة الطويلة 2019

قاد الحنين"أرسلان" إلى منزل صديقه "حاييم"، وإذا بسيل من الذكريات يتدفق، فتبدأ أحداث رواية «أنا وحاييم»، للكاتب «الحبيب السائح»، ليذهب بنا إلى زمن الثورة قبل أن يقسم المجتمع الجزائري وفقا للانتماء الديني، يرصد كيف حارب الصديقين الاحتلال؛ كان أرسلان في صفوف المقاومة يحمل روحه على كفه، وانضم حاييم إلى صفوف الأطباء لمعالجة المصابين، تذهب روحه وترد مع كل قطرة دم تسقط من أحد المجندين ويشعر معها باحتمال أن يفقد أحدهمم، هكذا كان ماضي حاييم الذي لم يشفع له بعد الثورة، حين ذهب تجار الدين والسياسة يصنفون الناس وفقا للانتماء الديني والفكري ويشقون صف الشعب الواحد، ويعلمون الناس كيف يصبحون أمم وجماعات غرباء تحت سقف وطن واحد، لتصبح الرواية شاهدة على تلك الفترة المؤلمة، كما كانت توثيق لتاريخ النضال ومواجهة الاحتلال، وشهادة في حق كل مناضل لم تنصفه الحكومات وخلده التاريخ.

«اختلاط المواسم»_ القائمة الطويلة 2020

في هذا العمل الروائي يذهب بنا الكاتب «بشير مفتي»، إلى فترة التسعينيات حين انتشرت الأفكار الإرهابية، وكيف أصبح القتل غيلة أسلوب حياة فرضه المتطرفون على الجزائر في تلك الفترة.

يرصد تلك الحالة بأسبابها ونتائجها من خلال قاتل محترف كان يمارس هذه المهنة القذرة للتلذذ ثم جندته الدولة في صفوفها، ذلك القاتل الذي لم يذكر الكاتب اسمه ليصبح كناية عن كثيرين عاشوا تلك الحالة ونقيضها، شهدوا اضطرابا مزدوجا، يظنون عن أنفسهم شيء وهم في حقيقتهم إنسان آخر فقد بصلته للطريق الصحيح، وبنهاية الأحداث يطرح الكاتب سؤال هام؛ هل اختلفت حقيقة مهنته باختلاف الجهة التي يعمل لديها، وهل تغفر الجريمة وتسقط لنفس السبب؟!

«الديوان الإسبرطي»_ القائمة القصيرة 2020

استطاع الكاتب «عبدالوهاب عيساوي»، في هذه الرواية أن يضع كافة الأطراف التي شكلت تاريخ الجزائر في قالب روائي واحد وكأنها مواجهة بينهم؛ يتكلم كل منهم عن معتقداته ودوره ورؤيته للآخر، فقد حول معايشتهم للأحداث إلى شهادات خالدة،نتعرف من خلالها على أسلوب الحكم العثماني الذي لم يكن في حقيقته سوى احتلال يمتص هوية الشعوب التي يحكمها، ويتخاذل أمام الدفاع عنها، ثم يقف طويلا أمام حملات نابليون على إفريقيا تحت ستار الدين، الحجة التي لا يتستر بها سوى المجرمون، كما أقر الكاتب من خلال الأحداث أن الأخطر من قائد مغرور من يؤمنون به ويخلدون مبادئه، التابعين، وبنهاية الأحداث يدرك القاريء أن الشعوب لا يمكن أن يحكمها سوى أبناءها، وأن سيرة الثوار ومساعيهم من أجل هذا الهدف خالدة وباقية ما بقي التاريخ الذي يكتبه الجميع!

«سلالم ترولار»_ القائمة الطويلة 2020

من منطقة ترولار الجزائرية ينطلق الكاتب «سمير قسيمي»، يرسم على أرضها عالم افتراضي فإذا بنا أمام الأمر الواقع، أزال الأبواب كي يخبرنا أن حدودنا في هذا الزمن ما هي إلا وهم فإذا بنا نرى ما نعيشه يوميا،فحياتنا الشخصية تنتهك كل يوم بأيدينا، يأتي بالأبطال في صورة فنتازية؛ رؤوس صغيرة وبطون كبيرة، فإذا به يصف الكثيرين ممن يغيبون عقولهم ويطلقون لشهواتهم العنان دون أن يعتبرون لمشاعر الآخرين وما يمكن أن يلحقوه بالمجتمع من ضرر، هذه صورة روائية ترصد الواقع السياسي في دولة الجزائر، لكن حين نمعن النظر، فإذا بنا أمام لوحة دقيقة الملامح لواقعنا العربي الهش.

«حطب سراييفو»_ القائمة القصيرة 2020

عاش"سليم وإيفانا" حياة مختلفة كل منهم صاحب لغة وهوية يستحيل بعيدة كل البعد عن الآخر، استطاع الكاتب «سعيد خطيبي» أن يجمع بينهم في صفحات الرواية، ومن خلال سرد بالتناوب كان أهم ما يميز هذا العمل، يروي كل منهم حكايته، ليكتشف القاريء أنهما وجهان لعملة واحدة هي الحرب التي لها نفس الملامح الكريهة والنتائج المدمرة في كل مكان.

عاشت"إيفانا" حرب البوسنة والصرب، وفي الجزائر كان "سليم" يعاني من نيران التطرف الإرهابي وتهديدات القتل التي استهدفت الصحفيين والكتاب في ذلك الوقت، تجمع بينهم الرغبة في الفرار من هذا الجحيم إلى بلاد أخرى، ولكن محاولاتهم تكلل بالفشل، فإذا أردت أن تتخلص من أحزانك عليك بمواجهتها وإلا سوف تحمل خيباتك معك في كل مكان كظلك.

بمرور الأحداث يكتشف القارئ أن سليم وإيفانا يعبرون عن ضحايا الحرب تعساء الحظ الذين ظلوا أحياء لكنهم حولوا هزيمتهم إلى انتصار بكتابة سليم عن جرائم الحرب في البوسنة، وبتحويل المعاناة إلى عمل فني كتبته إيفانا، ففي النهاية كان الفن والكتابة هم الملاذ الذي جمع بينهم، فالفن والأدب ضمير الشعوب، صورة حقيقية صادقة عنهم، وذاكرتهم الباقية إلى الأبد عصية على النسيان.