الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:58 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

إعلام الحرب

طارق سعد
طارق سعد

عندما تسمع هذه الجملة يقفز إلى ذهنك فوراً شكل وأسلوب الإعلام أثناء فترة الحرب أو الفترات العصيبة التي تسبقها وأحياناً تليها وهو المعنى الذى لازمنا لعقود طويلة واستمر هو المرادف الوحيد لها.

الحقيقة أن "إعلام الحرب" الآن ليس بهذا المعنى ولكنه أصبح هو الإعلام المستخدم في الحرب .. أداة رئيسية من أدوات الحرب .. سلاح الحرب .. فلم يعد للحرب آلة إعلامية كالسابق بل تحول الإعلام إلى نوع من أنواع الحرب نفسها.

وسائل الإعلام أيضاً تغيرت مع تغير نوع الإعلام فلم تعد تليفزيون وراديو وصحف ولكنها أصبحت "ديجيتال" .. مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي بكل أشكالها والتي احتلت مكانة الإعلام وأصبحت أكثر تداولاً وانتشاراً بل يلجأ الإعلام التقليدي إلى استقاء الأخبار والانفرادات منها .. وهنا تقف الكارثة انتباهاً!

وسائل التواصل أصبحت هي صاحبة الخبر بل تحولت لصانعة الخبر فسرعة انتشارها الجنونية أعطت لها القوة التى تقف بها أمام الإعلام التقليدي الذى أصابه الترهل والشيخوخة وهرول مع الجمهور لنقل الأخبار من تلك المواقع وهو ما زاد من سلطتها وسيطرتها وجبروتها لتمرير ما تريده ويحقق أهدافها!

أساليب الحروب اختلفت فكما يحدث "Up Date" لكل ما هو تكنولوجي فإن هذه الأساليب أيضاً تتطور وتُحدث وتتعدد أجيالها فالحروب التقليدية كجيل أول لم تعد مجدية وخسائرها فادحة وهو ما أبعد المُخطِط الأكبر عن اللجوء لها وبحث عن أساليب جديدة تمنحه السيطرة وتحقق أهدافه بأقل الخسائر ومع مرور السنوات والتجارب تطورت أجيال الحروب لتتخطى الثاني والثالث لتصل للرابع والذى يُعد الإعلام أحد أعمدته الرئيسية كسلاح قاتل قادر على التوغل والضرب في مقتل .. في الوعي نفسه.

للأسف هذا الجيل القذر من الحروب وما سيليه معتمد بشكل أساسي على السيطرة عن طريق الإعلام .. وبشكل أخص ومركز الإعلام الإلكتروني والمتمثل فى وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية فالهدف الأول ضرب والوعي للمتلقي مع ضرب الثوابت الدينية والأخلاقية لتتيح للمُخطِط الأكبر السيطرة على العقول وتوجيهها وتحريكها ومنها السيطرة على بلادها.

أهم ما تكتشفه مع مراقبة هذه المواقع والتطبيقات هو بث الشائعات وتشتيت المتلقي بشكل مستمر وتشكيكه في كل الثوابت من كل اتجاه فيكثر ما أُطلق عليه "الهبد" وتُفتح كل الجبهات على رواد تلك المواقع لتصل بهم لاستخدامهم كأدوات للعبث بأوطانهم فقط زرعوا لهم بهذه المواقع الإباحة في كل شيء .. والإباحية أيضاً وهو ما كشفت عن عورتها فيه منصة "نتفليكس" الشهيرة والتي أصبحت منصة رسمية للترويج للشذوذ الجنسي من خلال الأعمال التي تعرضها.

للأسف ما زال العدو يعتمد على ذكاءه في التعامل مع غباء ضحاياه يُجلسهم على الخازوق وهم في غاية السعادة والانتشاء بل يرفضون الاعتراف بهذا الخازوق ويدافعون عنه وهو ليس صدفة ولا عبث ولكنه رد فعل طبيعي لغياب الوعي بعدما تم العبث به من عدو يعرف هدفه جيداً ويسبقك فى التفكير والذكاء بسنوات تصل للـ 100!

لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد مواقع ترفيهية ولكنها أصبحت منصات صواريخ لدرجة أنك تستلم منها الصاروخ وتطلقه بنفسك في عدة اتجاهات لينتشر ويضرب ويدمر أهدافاً مختلفة بشكل أسرع وأنت متوهم أنك تلهو لتتحول بلا وعي لأداة لنشر الأكاذيب والترويج لها على سبيل التصديق أو السخرية فتحقق لها الانتشار المطلوب وتتحول أنت لأداة تخريب طيعة سهلة وغبية كمسحور خلف دجال يتلاعب بك.

خطورة كل ذلك هو ضياع الحقائق وسط هذا العبث المقصود للتشويش بل أصبحت لا تستطيع الحكم بشكل صحيح والنظر بأكثر من عين حتى تتعرف على الحقيقة المجردة فالحقيقة عند هذا الطرف لا تُرى إلا بـ "عين واحدة" مهما كانت المعطيات ليسحبك خلفه وتبقى من أتباعه بـ "عين واحدة".

الحقيقة الثابتة والتى يجب أن ننتبه لها أننا أمام حرب وجود يقودها جيش لا يملك رحمة ولا يرى إلا هدفه المنشود بمنتهى الخسة وقد أصبحنا الأداة الرئيسية لهذه الحرب المباح فيها كل ما هو قذر ونجس حتى تصبح بلا هوية ولا دين وتبقى جاهزاً لدورك الذى ستتحرك من خلاله في العالم الجديد المخطط له.

نحن الآن في معركة "الوعي" الذي يلزمه بشكل ضروري وسريع إعادة صياغة وتشكيل سليم لاستيعاب ما يحيطه من مخاطر ومخططات وهو ما سيتحقق بمواكبة تطورات أدوات الحرب وأسلحتها والمواجهة على نفس أرض المعركة.

لن تجدي المواجهات التقليدية التي ستُخلف خسائر فادحة ولن يفيد إعادة تدوير النفايات بعودة الإعلامي الضال لكرسيه مرة أخرى فهذه النوعية من الوجوه المكروهة لدى الجمهور بعودتها للشاشة بطلتها البائسة العكرة التى تذكرك بما ساهمت به وتسببت فيه كسلاح لهذه الحرب ستزيد الفجوة أكثر وتدفع للهروب أكثر إلى "إعلام الحرب" كفريسة سهلة له فبالتأكيد لم يضرب العقم مصر بعدما أنجبت هؤلاء ومؤكد هناك وجوه جديدة تحمل من المصداقية ما يساعدنا في عنف المواجهة.

"الوعي" هو السلاح الرئيسي للنصر وهو ما جعله المُستهدف الأول لأنه الوحيد القادر على حسم المعركة بإفساد سلاحها الأخطر .... "إعلام الحرب".