الطريق
السبت 20 أبريل 2024 04:01 مـ 11 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

عندما نسينا الله

طارق سعد
طارق سعد

لا طريق يَبعُد عن طريق الله إلا وتجد به الأشواك وتنحسر فيه الأخلاق ويضربه الفساد طولاً وعرضاً فأصل كل عمل أن تراعي الله فيه سواء كان عملاً تعمله أو تصرفاً تقوم به .. هي معادلة بسيطة لا تحتاج للتعقيد بإضافة أية عوامل مساعدة ونتيجتها إما طاقة نور ... أو راسب أسود!

عندما تقف قليلاً لتتأمل ما يدور حولك تلمح الراسب الأسود متراكماً بشكل واضح فهناك تري دعارة إلكترونية بطلاتها نجمات لتطبيقات صينية ويزحف ورائهن الشباب وتقلدهن البنات .. وفي الجهة الأخرى قضايا اغتصاب يندى لها الجبين وفي الجهة المقابلة حوادث تحرش مقززة وبين هذا وذاك يعلو صوت الملحدون والمدافعون عن الشذوذ بثقة استناداً للحرية المزعومة التى دفعت ضعاف النفوس إلى دعوات تخريبية فأصبح المجتمع يسير عكس الاتجاه مندفعاً إلى الهاوية.

للأسف جزء كبير من هذا التحول اللا أخلاقي تتحمل مسئوليته القوة الناعمة والمتمثلة في الإعلام والفن سواء سينما أو دراما أو غناء فمن هذه الأعمال مجتمعة ما ساهم وبقوة في صناعة توجهات وأفكار غريبة على المجتمع الذي أصيب بشذوذ فكري نتيجة لما يتلقاه مخالفاً لكل القواعد.

الأعمال الفنية لها التأثير الأقوى والأسرع فالجمهور يتلقاها ويتفاعل معها ويتأثر بمحتواها وعند مراجعة الأعمال الفنية في السنوات السابقة تحديداً في السنوات السابقة لـ 2011 وما تلاها ستجد أن معظمها كان يدور حول البلطجة والعلاقات غير الشرعية والجرائم المختلفة والتفتيش داخل قمامة العشوائيات لإبراز كل التفاصيل القبيحة مما ترك أثراً سلبياً على صورة المجتمع المصري خارج الحدود.

ستجد أن هذه الأعمال تحصد جماهيرية كبيرة ويبدأ الجمهور في تقليدها خاصة أن هذه الأعمال تقدم كل هذه الخبائث بأدق التفاصيل فتجد جرائم عديدة منفذة بمحاكاة لسيناريو هذه الأعمال ومنها جرائم دخيلة على المجتمع المصري إضافة لتوغل المسلسلات التركية في فترة ما قبل 2011 وسيطرتها على نسب المشاهدة بما تحويه من أفكار مسمومة تضرب ثوابت المجتمع في دينه وتقاليده ويقتدي بها المشاهد بشكل تلقائي خاصة أن كل الأعمال من هذه النوعية الفيروسية لا تقدم عقاباً رادعاً في نهايتها ينفر المشاهد من تلك الجرائم بل تمت صناعة الأبطال بها وأصبح بطل الشارع مجرم.

لم يتوقف الأمر عند هذه النقطة بل تطور إلى نظرة المجتمع الأخلاقية فأصبح الشاب يبحث عن البنت اللعوب ويترك المحترمة والبنت تبحث عن "المخربش الصايع" وترى الشاب المحترم "خايب" وهو ما يقدم حرفياً في معظم الأعمال التي يتحول بطلها "الصايع" ببطولاته إلى فتى الأحلام الذي كان قديماً "فارس على حصان أبيض" وأصبح نتاجاً لهذه النوعية من الأعمال "عربجي وبلطجي توك توك"!

تفشي هذه الأفكار في الأعمال الفنية ثم احتفاء الإعلام بأبطالها وتلمعيهم ضرب المجتمع في مقتل وأفسح له المجال غياب الخطاب الديني المعتدل وعدم مواكبته للأحداث وتطورها وغياب الأعمال الدينية الجماهيرية والتي انتهت عند مسلسل "إمام الدعاة – الشعراوي" مع غياب المسئولية لكتاب ومخرجي ومنتجي الأعمال الفنية ليصل الحال بالأعمال المشوهة للقمة أما الأعمال التي تحمل مبادئ وقيم اجتماعية وأسرية تراعى فيها التعاليم والقيم والمبادئ فيسخر منها بعض الجمهور ويتعامل معها باستهزاء لأنها لا تخاطب فكره الذي تم تشويهه ويعتبرها من وجهة نظره المشوشة أنها أعمال ساذجة بل يحاربها ويحارب أبطالها وخير مثال لذلك مسلسل "يوميات ونيس" الذي يعتبر أهم مسلسل اجتماعي أسري في تاريخ الدراما الحديثة ممتداً لحاضرها ومستقبلها.

تغييب الوعي أفسد الفكر والذوق العام وتدنى به لينتشي بكلمات خارجة تحملها بعض "مهرجانات تحت السلم" ويسعد بترديدها واستخدامها في حياته اليومية وتعاملاتها فلا تندهش عندما تكتشف أنك الآن على باقة التغييب للوعي الديني وليس المجتمعي فقط ليتحول الدين إلى تجارة بدأت بالسياسة ووصلت للتنظير على مواقع التواصل الاجتماعي التي احترفت الكذب والتضليل والافتراءات.

انكشف ذلك بقوة خلال أزمة "كورونا" واضطرت الحكومة مثل كل حكومات الكوكب أجمع أن تغلق أماكن التجمعات كاملة بما فيها دور العبادة حتى أن السعودية نفسها أوقفت العمرة وألغت الحج إلا أن جماعة التنظير بالدين بدأوا يشكلون لوبي ضاغط لفتح دور العبادة دون الانتظار لانحسار الفيروس ودون الاهتمام بسلامة المجتمع وصلت فيها التجارة بالدين لاتهام الحكومة بأنها تحارب الله وتغلق بيوته وتحولت الشعارات الرنانة لحملات على مواقع التواصل لأغراض خبيثة وعند الفتح التدريجي لدور العبادة في توقيتها طبقاً للتوجيهات الطبية وبعد كل هذا الـ "حزق" والمتاجرة بالأزمة ترى معظم المصلين للفروض في المساجد هم كبار السن أما هؤلاء التجار الجدد فاختفوا خلف شاشات أجهزتهم منشغلين بمهام أخرى لينكشف مستنقع النفاق الذي توحلنا فيه.

الحقيقة أن الجهات المسئولة عن الإنتاج الفني أصلحت جزء كبير من مسار الأعمال الفنية التى تركت لنا تركة ثقيلة من قاذورات الأفكار التى تشبعت بها عقول قاعدة واسعة إلا أنها مازالت تحتاج المزيد من التطوير والإصلاح والتدقيق خاصة في مفردات الكتابة التى تصل للمُشاهد وأهم الأمثلة جملة الوفاة الدارجة "ربنا افتكره" والصحيح "ربنا اختاره" والتى تحتاج لمراجعة في كل الأعمال لخطورتها فالله سبحانه وتعالى لا ينسى ... ولكننا نحن من نسيناه سهواً وأحياناً عمداً.

علاقة الإنسان بربه تُكوِن ضميره وتحدد طريقه ومصيره ولم يكن لكل هذا الخراب والتشويه أن يحدث إلا عندما نسينا الله!