الطريق
السبت 27 أبريل 2024 12:59 صـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

أمام شباك التذاكر

عمرو عز الدين
عمرو عز الدين

أضافت موسوعة جينيس للأرقام القياسية قسما جديدا خاصا بأولئك الأشخاص الذين يقفون أمامك في الطوابير أو يسبقك دورهم في أي مكان كأصحاب أطول فترة يمكن أن يقضيها كائن حي أمام شباك التذاكر/ الصراف/ الكاشير.. إلخ.

في طابور شباك تذاكر المترو، تستعد لاقتراب نهاية عذابك من اللب الذي يقزقزه الواقف خلفك في قفاك، وما يفصلك عنها هو أحد الأشخاص المذكورين واقفا أمامك للحجز، في عملية كيميائية تحوّل الجنيهات الفضة إلى تذكرة، خلال مدة لا تزيد عن 3 ثوان، لكنها تتحول معه إلى أخطر عملية تجسس في تاريخ هيئة مترو الأنفاق: "لحد سرايا القبة بكام؟ والمترو بيمشي بسرعة ولا بطيء؟ لو هنزل المعادي وأرجع على فيصل وأنا واقف ممنوع ولا مرغوب؟ طب اضرب مربع السرعة في الكتلة واديني الباقي فكة"، ثم يبدأ فصل "مفيش فكة"، ويستمر النقاش العدمي إلى أن يكتب الله لك الخروج من المحطة فتجدهم يحتفلون ببدء القرن الثاني والعشرين.

في السينما، تذهب لمشاهدة الفيل الأزرق 2، فتراه أمامك -الشخص وليس الفيل الأزرق طبعا- مصطحبا 4 من أصدقائه لا يثقون في قدرته على اختيار أماكن جلوس مناسبة، يمكنك وقتها أن تعتبره فقرة إعلانية قبل بداية العرض مع الحوار الشيق: "عايز فيلم الفيل الأزرق الجزء التالت.. لسه منزلش هاها مع إن عماد مأكدلي؟ هينزل امتى؟ هند صبري هتطلع فيه تاني ولا منة شلبي هع هع هع؟ طب إيه رأيك أحمله من على النت ولا هيبقى حرام؟"، ينتهي الحوار بعد تدخل الأستاذ الفيل شخصيا ثم تحوز تذكرتك في جزء من الثانية لأنك شخص يعرف هدفه جيدا، وتجلس في قاعة العرض لتفاجأ بتترات "الفيل الأزرق 3"! الزمن بيجري.. ابقى شوف الجزء التاني على النت.

في السوبر ماركت يقف أمامك ليبدأ في تذكر سبب وجوده في الحياة. يتصل بزوجته ثلاث مرات لإجراء المراجعة النهائية على الثلاجة، وإضافة ربع رومي كل نصف ساعة مع التقليب المستمر، ثم كرتونة بيض من أجل حفنة بسطرمة و... إيه ده بصل مخلل؟ أنا أول مرة أشوف بصل مخلل.. حتى يشتري بقالة تكفي سكان عمارته إلى أن تشرق الشمس من مغربها، وأنت المسكين تريد علبة حلاوة طحينية لتذهب إلى حال سبيلك، فقط لتقابله بعدها عند الكاشير ويبدأ فصلا جديدا من فصول الصراع!

وفي غرفة مظلمة إلا من إضاءة خافتة تكاثفت أمامها خيوط دخان السجائر، اجتمعت خلية مقاومة من مهندسي الطوابير الأحرار لمحاولة إيجاد حل لهذا الشخص الذي يعطل الجميع بمن فيهم من داخل هذه الغرفة، وبعد شطب اقتراحات قتله أو حرقه أو الاستعانة بالشركة الألمانية لإبادته، صاح أحدهم فجأة: "إحنا نلغي الطوابير ونعمل الدور بأرقام"، ولأنهم مجموعة من السذج فقد وافقوا ثم هنأوا أنفسهم على الحل العظيم وغادروا الاجتماع متنكرين. عند تطبيق النظام الجديد في أحد البنوك ظهر الشخص من العدم وحجز دورا يسبقك -أكيد- برقم، وأمام شباك الصراف بدأ يمارس هوايته: "عايز أعمل 4 سحب وإيداعين.. وأقدم على قرض حسن وهقف معاك لحد ما أسدده".

رغم كل شيء، فقد ساعدني هذا الشخص بشكل غير مباشر في كتابة مقالي الذي كدت أن أنهيه، بينما هو لا يزال أمامي، يراجع فاتورة مكالماته ويفحص علاقتها الآثمة بالنظرية النسبية مع موظف خدمة العملاء، يا مسهل.