الطريق
الخميس 9 مايو 2024 05:56 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

110 أعوام على ميلاد الشيخ الشعرواي.. صانع التماثيل الذي أصبح ”إمام الدعاة”

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

فضل الفلاحة على العلم.. ووضع "الشطة" في عينيه حتى لا يدخل الأزهر

"شالة لبن" جنبته العقاب.. وخدعة غيرت حياته بالكامل

برع في تشكيل الطين على هيئة الحيوانات وتعلم الشعر والأدب

تصفيد الشياطين في رمضان متوقف على أفعال الصائمين

 

في مثل هذا اليوم من 110 أعوام، استقبلت قرية دقادوس بالدقهلية مولودا كتب الله له أن يكون من رموز العالم الإسلامي، حيث سخره الله لدراسة القرآن واللغة العربية، وتطويع قدراته اللغوية في شرح معاني القرآن الكريم للجميع بطريقة قريبة من عقولهم ومحببة لقلوبهم، وهو ما جعله سببا في الخير لكثير من محبيه.

نشأ محمد متولي الشعرواي في قريته البسيطة القريبة من ميت غمر، وفي أسرة وصفها بأن طابعها كان التدين، وفي كنف والد عاشق للعلم، وحريص على إعداده ليكون عالما كبيرا، رغم ضيق ذات اليد، وكان يعمل مع أهله في الفلاحة صغيرا، قبل أن يلحقه والده بالمعهد الأزهري بالزقازيق، ليبدأ بعدها رحلة العلم في طريق الخير الذي سلكه حتى آخر عمره.

اقرأ أيضا: ”كان سيقبل يدي”.. الخطيب يروي موقفا جمعه بالشيخ الشعراوي

مواهب وطرائف الشيخ الشعرواي

مثله مثل معظم أطفال القرى في مصر وقتها، كان الطفل محمد يلهو مع أقرانه في الأرض الزراعية والنيل، لكنه تميز بموهبة في نحت الأشكال من الطين، حيث كان يشكله على هيئة الحيوانات ببراعة أشاد بها مدير مدرسته ومفتشو وزارة التعليم وقتها، قبل أن يحول دفة هوايته إلى شيء آخر، فبدأ في الحفظ وتعلم بحور الشعر وألوان الأدب.

وبدأت علاقة الشيخ محمد متولي الشعراوي بالقرآن الكريم قبل أن يفهم فيه حرفا واحدا، حيث قال رحمه الله في حوار سابق مع الإعلامي طارق حبيب "أول ما روحنا الكتاب تعلمنا الخط في كتابة القرآن الكريم، والإملاء والحفظ أيضا في كتابته، فعايشناه قبل أن نفهمه"، ومن مواقف طفولته الطريفة في الكتّاب تلك التي جمعته مع الشيخ حسن زغلول الذي كان يتولى تعليمه هو وصغار القرية، حيث كان طفلا ذكيا سريع التصرف، وعندما أدرك أن الفقي سيعاقبهم بشدة بسبب عدم الحفظ، ذهب إليه مسرعا ليخبره بأن والدته ستحضر إليه "شالة اللبن"، فما كان من الرجل إلا أن قال له "بعدين بعدين"، وسأل أطفالا غيره، لينجو من العقاب بذلك التصرف، قبل أن يعلمه الشيخ درسا في كيفية حفظ القرآن الكريم بعدها، وهو أنه لا يأت بحرفي الظاء أو السين مرتين في آية واحدة، وذلك عند حفظ الآية 45 من سورة فاطر.

ومن أكثر ما روى الشيخ الشعراوي من مواطف الطفولة الطريفة، كان ما حدث من زميله محمد حسن عبدالباري عندما قرأ الآية 192 من سورة آل عمران "ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته"، لكنه أخطا وقرأ كلمة "أخزيته" بحرف الراء بدلا من حرف الزاي، وهو ما جعل الجميع يضحك بشدة من الأمر، قبل أن يسخروا من زميلهم دائما بسبب ذلك الموقف، حتى تعرض إمام الدعاة هو الآخر لموقف مشابه، اعتبره درسا من الله وعقابا على سخريته من زميله، حيث لم يكن الشعراوي الصغير يتمكن في كل مرة من تفادي العقاب، وعندما استغل ذكائه وقدرته على الحفظ السريع تلك المرة، وجد نفسه يعاقب من الشيخ حسن زغلول، عندما سألهم عن حفظهم لأول سورة الشورى "حم.. عسق"، وكان الشعرواي في اليوم السابق هرب من تصحيح لوح الحفظ، ولجأ لقدرته على الحفظ السريع بمجرد القراءة، فما كان منه إلا أن نطق "حم" بطريقة صحيحة لأنها مرت عليه من قبل في في سورة "فصلت"، لكنه نقط "عسق" كلمة واحدة، فنال من العقاب ما لم ينسه أبدا بعدها.

خدعة غيرت حياة إمام الدعاة

قصة التحاق الشيخ محمد متولي الشعراوي بالمعهد الأزهري، لها حكاية طريفة رواها إمام الدعاة في إحدى اللقاءات التلفزيونية، قائلا إنه لم يكن يجد في نفسه هوى لترك قريته ومهنة الفلاحة للالتحاق بالمعهد، فبدأ يتحايل عليه للتهرب من الأمر، وعندما علم أن كشفا طبيا سيجرى للمتقدمين، كان يضع الشطة في عينيه لتتورم حتى لا يقبلوه، لكنه عندما سافر للكشف الطبي فوجئ بأنهم يقبلون فاقدي النظر، فقال لنفسه ضاحكا "كنت ستخسر بصرك وتدخل الأزهر رغم ذلك".


استمرت عدم رغبة الشيخ محمد متولي الشعراوي في الالتحاق بالأزهر وتفضيله العمل في الفلاحة، وظل يبتدع الأعذار مرة تلو الأخرى، فتارة يقول إن الكتب الدراسية ضاعت منه، وتارة أخرى يدعي أن مصروفات المعهد سرقت، ووالده يصبر ويصر على استكمال دراسته، حتى وصل إلى السنة الثالثة في المعهد الأزهري، وقرر أن يكرّه والده في الأمر كلية، وفي زيارة من زيارات الشيخ متولي لولده، طلب منه الشعراوي أن يشتري له مجموعة ضخمة من الكتب الكبيرة غالية الثمن، مدعيا أنها مقررة عليه في المعهد، حتى يصرف والده النظر عن الدراسة، وبالفعل اشتراها والده له، وأجر عربجيا لنقلها إلى سكنه، بل جلس إلى أن حل آذان الفجر يغلف الكتب حفاظا عليها، ثم ذهب إلى محطة القطار والشعراوي معه يودعه قبل أن يرجع إلى دقادوس، وقبل أن يتحرك القطار قال له إنه يعرف جيدا أن تلك الكتب ليست مقررة عليه بالمرة، وإن الكتب المقررة عليه ثمنها 38 قرشا فقط، داعيا له أن ينفعه الله بما فيها من علم، وهنا شعر إمام الدعاة بخجل شديد، ومن وقتها تغيرت حياته، وجدَّ في دراسته بشدة، وقرأ الكتب التي ورط والده فيها بإخلاص، حتى أصبح على دراية بما فيها من علم.

 

رمضانيات الشيخ الشعراوي

تعتبر برامج الشيخ الشعراوي في التلفزيون المصري من أشهر البرامج الدينية في الوطن العربي، ومن أبرزها "نور على نور"، و"خواطر"، والتي يذكرها الجميع كل يوم جمعة، أو قبل آذان المغرب في رمضان، لكن إمام الدعاة كانت له أيضا العديد من الحوارات والمساحات المكتوبة في الصحف والمجلات، ومنها ما نشره "السياسي" و"الوفد" في تسعينيات القرن الماضي، حيث تناول محمد متولي الشعرواي فكرة اصطفاء الله تعالى لشهر رمضان على بقية الشهور قائلا: "إن الله يصطفي من الأزمنة زمانا ليدرب الإنسان على حلاوة التكليف، ويصطفي من الأمكنة بعضها ليعلم الإنسان فائدة اللقاء مع مؤمنين مثله تتجدد معهم حرارة الإيمان ... لقد اصطفى الله رمضان شهرا نزل فيه القرآن الذي يحمل منهج الله، ليشيع المنهج في كل الأزمنة".

أما عن صوم رمضان، ولماذا خص الله نفسه به، قال الشيخ الشعراوي إن "العبادات الأخرى غير الصوم، بداية من إعلان الولاء لله رب العالمين بقول لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة ، وإخراج الزكاة، وحج البيت، وكل هذه العبادات من الممكن أن تحدث من عبد لعبد آخر، فهناك من الناس من يعلن ولاءه لإنسان آخر، وقد ينتمي إليه ويحج إليه ويخرج له ما يريد من المال، ولكن هل يتقرب عبد لعبد آخر بأن يصوم له؟ لا يوجد في الدنيا من يتقرب إلى غيره بالصوم، والسبب في ذلك أن العبادة لغير الله لا تقوم إلا على النفاق، وإن أشد الناس نفاقا لا يستطيع أن ينافق ويقول لعبد آخر أو لصنم أو لشمس أو لقمر (إني نويت الصيام لك شهرا)".

اقرأ أيضا: ”بيفطر فول حراتي وجبنة”.. حفيد الشعراوي يكشف تفاصيل شهر رمضان في حياة الإمام

ويضيف الشعراوي "ما يقوله المنافق وما يفعله يريد به التقرب لغيره طمعا في جاه، أو خوف من سلطان، فيتقرب له بالأعمال الظاهرة، أما الصوم فلا ينطبق عليه هذا، وذلك لأنه سر بين العبد وربه، ومن هنا تبين أن الصوم لا يصلح إلا أن يكون عبادة لله رب العالمين، ولأجل هذا جعله الحق تبارك وتعالى خالصا له، وقدر الجزاء من فضله، فالعبادات كلها لها جزاء عند الله، فهناك الحسنة بعشرة أمثالها، وقد تصل إلى سبعمائة ضعف، وكل هذه الجزاءات مقدرة ومحددة إلا الصوم، فإنه قد خرج من دائرة التقدير، لأن تقدير الجزاء فيه من فضل الله".

الشيخ الشعراوي

أما عن كيفية تصفيد الشياطين في رمضان، فقال محمد متولي الشعراوي إن "تصفيد الشياطين وتكبيلها يعني تقييد حركتها وجعلها عاجزة عن أداء دورها في عرقلة الناس عن فعل الخير والطاعة لرب العالمين، فتشل حركة الشياطين ولا تجد فرصة لدفع الناس إلى الأفعال الشريرة، والرسول الكريم أخبرنا بأن الشياطين تصفد في شهر رمضان، وهذا التصفيد أمر يمكن حدوثه وقد لا يحدث، وذلك يعني أن حدوث هذا الأمر يتوقف على الصائمين انفسهم، بمعنى أننا لو التزمنا بمنهج الله في شهر رمضان ما تركنا فرصة للشياطين أن تتمكن منا، وبذلك تصبح مصفدة ومكبلة وغير قادرة على الحركة بين الصائمين الملازمين لمنهج الله".

اقرأ أيضا: مصطفى محمود في حوار نادر: ”الدين مش مجرد ركعتين والواحد يعمل اللي يعجبه”